عند الخوض في موضوع الهجرة، اسمحوا لي أن أسرد لكم حكاية قديمة قِدم الزمن، تلك التي تتضمن التدفق المستمر للبشرية عبر الحدود والبحار وتشكيل مصائر جديدة. قبل آلاف السنين من ضغط الكتابات الأولى على الألواح الطينية، تحرك أسلافنا البعيدون خارج أفريقيا عبر أوروبا وآسيا. لقد غرس نجاح بقائهم القبلي روح الهجرة في حمضنا النووي الذي لا يزال يتنوع بلا نهاية، والذي حتى اليوم يشكل الحضارات التي نحن جزء منها.
كل عصر في التاريخ المعروف يتشكل بقصة الهجرة كبحث عن حياة أفضل. هذا البحث نفسه، بكل أشكاله، هو خير عالمي ينتج الرفاهية في المجتمعات التي يستطيع المهاجرون التأقلم فيها والاندماج والشعور بالانتماء وإضافة القيمة إلى وجهاتهم من خلال عملهم ومشاركة رأسمالهم الثقافي.
فصل صغير ولكنه مهم جدًا في هذه الملحمة الساحرة يأتي من شعب بحري تترسخ هويته في دولة حديثة – لبنان. بحكم أن المهاجرين ينطلقون من لبنان إلى دول الفرص، ولكن أيضًا بحكم الترحيب ودمج الأجانب، بني تاريخنا على الهجرة.
لقد شكل هذا التراث الهجري اللبناني مجتمعنا بعمق، قبل وقت طويل من ظهورنا كدولة جديدة في عام 1920 ووجدنا أنفسنا في منطقة وفترة يبدو فيها أن الجميع كان مقدرًا لهم أن يكونوا مهاجرين أو لاجئين أو مضيفين. حتى يومنا هذا، مع كل دولار في التحويلات وكل مصطاف مغترب يصل إلى مطار بيروت، نتذكر أن هذه الأنماط التاريخية للهجرة قد شكلت هويتنا الوطنية كبلد التجارة والاستضافة والاتصال.
استعراض تجربة الأزمات الإقليمية والوطنية منذ عام 2011، نرى نفس الأنماط، ولكنها مُضاعفة. لأكثر من 10 سنوات، استضاف لبنان أكبر عدد من اللاجئين مقارنة بعدد السكان. ولكن علينا أن نكون صادقين ونتصالح بوعي مع هذا العبء من النزوح مع الحقيقة المتناقضة بأن الجالية اللبنانية المنتشرة في الخارج، والتي يبلغ عددها 14 مليونًا، هي ضعف عدد سكاننا المقيمين وهي ممتدة عبر العالم بحثًا عن مستقبل أكثر وعدًا مما يمكنهم العثور عليه في الوطن.
اليوم أكثر من أي وقت مضى، لا يمكن إنكار قيمة جاليتنا في الخارج. هذه المفارقة تشير إلى جوهر مشكلتنا. مهما كانت مشاعرنا تجاه المجتمعات النازحة داخل حدودنا، فقد تم بيعهم نفس الأكاذيب التي تم بيعها لنا، نحن اللبنانيين: خديعة الدولة التي تتصرف بمسؤولية ولديها الإرادة لرعاية مواطنيها. في الواقع، نحن نعيش في دولة فاشلة.
ينبغي على حكومتنا أن تعترف بأولئك اللاجئين كبشر يستحقون معاملة كريمة، وثانيًا، أنهم قوة عمالة تفيدهم وتفيد اقتصادنا. ما كان يمكن أن يكون فرصة اقتصادية واجتماعية أصبح أزمة، وأصبح اللاجئون كبش فداء.
لن نتبع الطريق الفاشل والخطاب الاتهامي لقياداتنا السياسية غير الكفؤة.