بيروت، ديسمبر 2026.
للعام الثاني على التوالي، تجاوز عدد السياح الذين يزورون لبنان 3 ملايين. يتم جذبهم من قبل المواقع التاريخية للبلاد، الطعام الرائع والمشهد الاجتماعي، فضلاً عن فضولهم لتجربة البيئة متعددة الثقافات التي تجعل لبنان مكاناً فريداً من نوعه، ليس فقط في الشرق الأوسط، بل في العالم بأسره.
اعتباراً من يونيو الماضي، يمكن للسياح التنقل بسهولة أكبر، مستفيدين من نظام النقل الجديد في المدينة الذي ساعد في جعل بيروت واحدة من أكثر المدن وصولاً وقابلية للحياة على البحر الأبيض المتوسط.
ازدحامات المرور وأكوام القمامة، التي كانت شائعة قبل عقد من الزمن فقط، أصبحت الآن شيئاً من الماضي. الدولة تعمل بشكل جيد سياسياً واقتصادياً، بنمو متوسط يبلغ 5 بالمئة سنوياً في السنوات الخمس الأخيرة فقط. يتم إجراء الانتخابات ضمن المواعيد الدستورية وتحت قوانين انتخابية حديثة. تتزايد فرص العمل كل عام، خاصة للخريجين الجدد من الجامعات الذين يفضلون الآن بشكل متزايد البقاء في لبنان بدلاً من الهجرة إلى الخارج. الفرص تكثر في القطاع الخدمي المتنامي (السياحة والرعاية الصحية هما مجرد مثالين)، القطاع التكنولوجي والزراعة التجارية.
Lebصعد لبنان في ترتيب الدول التي تُعرف بانفتاحها وسهولة ممارسة الأعمال والابتكار. لقد أقرّت الحكومة مجموعة من التشريعات الرائدة التي حدّثت الإدارة العامة وخلقت نظام تقاعد مناسب وخدمة صحية لما بعد التقاعد لكل المواطنين. سلسلة من مشاريع البنية التحتية – نظام سكك حديدية مُرمّم، جسور وتقاطعات جديدة، شبكة طرق جديدة لتحسين ربط لبنان بباقي المنطقة العربية (وما بعدها)، فضلاً عن مرافق معالجة النفايات ومحطات توليد الكهرباء – نجحت في مطابقة إبداع القطاع الخاص ومهاراته الإدارية مع رؤية القطاع العام لتحسين تقديم الخدمات.
ربما يكون التقدم ملموساً أكثر في المدن الكبرى، ومع ذلك فإن نطاق وفوائد مشاريع لبنان الجديدة قد انتشرت عبر البلاد، مما يعزز الحكومات المحلية على طول الطريق. سرعة الإنترنت والتكاليف تعتبر بين الأكثر تنافسية إقليمياً، ويتم إنتاج الكهرباء بكفاءة والآن يتم تصديرها جزئياً إلى الدول المجاورة. قطاع الغاز والنفط البحري، بعد بداية غير مستقرة، أصبح الآن منظماً بشكل صحيح ويُدار بشفافية. وبعد سنوات من الاستثمار، بدأت عائدات الموارد الطبيعية في لبنان تتدفق إلى خزائن الحكومة. سيتم استخدامها جزئياً لتمويل المشاريع الرأسمالية الإضافية، وجزئياً لتقليل الدين العام للحكومة – مما يخلق دائرة افتراضية من العجز المالي المنخفض، الديون والفوائد المتدنية، والمزيد من المساحة المالية لتعزيز الخدمات العامة وخلق بيئة يمكن فيها للقطاع الخاص أن يزدهر، مما يعزز النمو وخلق فرص العمل.
كل هذا بدأ قبل عقد من الزمن…
بعد مأزق سياسي طويل، تم تنفيذ تغييرات وإصلاحات كبيرة بدءاً من أوائل عام 2017. كانت الخطوة الأولى هي حكومة وحدة وطنية – على الرغم من قصر عمرها في فترة الإعداد للانتخابات البرلمانية المتأخرة كثيراً – مهدت الطريق للتقدم الذي تبنته الحكومات اللاحقة ووسعت عليه.
تم مناقشة وإقرار الميزانية الأولى في أكثر من عقد في عام 2017 – ومنذ ذلك الحين، أصبحت الميزانيات السنوية القاعدة مرة أخرى. اتخذت الحكومة أيضاً بعض الخطوات الشجاعة. ومع اقتراب الدين العام من 150 في المئة من إجمالي الناتج المحلي (GDP)، تم تنفيذ حزمة من التدابير – بدءاً من فرض ضريبة على الوقود التي استغلت انخفاض أسعار النفط المحلية. جاء هذا التعديل المالي بتكلفة، خاصة وأن الاقتصاد كان قد ضعف بعد سنوات من عدم اليقين السياسي وصدمات إقليمية كبيرة – أهمها الأزمة السورية وتدفقات اللاجئين المرتبطة بها. في الوقت نفسه، ساعدت الجهود المتجددة في السياسة على استعادة الثقة، حيث أن وزارة المالية – بدعم من الحكومة ككل – أوضحت استراتيجيتها والتزمت بتقديم خدمات أفضل لدافعي الضرائب.
تم تفعيل وتمكين السلطات التنظيمية أخيراً – بدءاً من قطاعي الاتصالات والكهرباء. تم إقرار قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص الجديد، بما يتماشى مع المعايير الدولية، بعد أن مكث في البرلمان لسنوات عديدة، مما خلق إطاراً قانونياً وتنظيمياً حديثاً ليتعاون القطاعين العام والخاص في التخطيط والتنفيذ وإدارة المشاريع. ومن خلال لفتة إيجابية للمستقبل، انضمت لبنان أيضاً إلى مبادرة شفافية الصناعات الاستخراجية، مؤكدة على التزامها بالشفافية والمسؤولية في إدارة ثروات لبنان البحرية الناشئة في ذلك الوقت.
مع ظهور التغيرات واكتسابها زخماً، بدأت الثقة في التعافي. و المجتمع الدولي – ربما تشجيعا من تصميم إطار السياسات المجدد للبنان – زاد من دعمه المستمر بتوفير تمويل كبير وموثوق متعدد السنوات لتغطية التكاليف الطويلة الأجل لاستضافة اللاجئين.
بيروت، ديسمبر 2016
سنعرف فقط بعد عقد من الزمن ما إذا كانت القصة أعلاه هي لقطة من الواقع أو مجرد خيال. لكن كل ذلك ممكن. لبنان لديه الإمكانات والقدرة ليصبح منارة تقدم وازدهار. الوقت هو الآن، بدءاً بتجاوز الانقسامات واحتضان مستقبل مستدام سيعود بالفائدة على الجميع.