لقد ترك التقدم الذي أحرزه لبنان في استثمار الثروات من موارده النفطية والغازية البحرية لنا المزيد من الأسئلة أكثر من الإجابات. وبينما لن تقوم البلاد باستخراج أي موارد لمدة لا تقل عن خمس سنوات، فإن الاتفاقيات التي يتم التفاوض عليها خلال الأشهر الـ 12 المقبلة ستحدد ما إذا كان لبنان سيحصل على صفقة جيدة أم لا.
على مدار خمسة أيام، سيقوم سبعة من المفكرين البارزين بمناقشة جوانب مختلفة من الموارد — من تجنب التدمير البيئي إلى كيفية إنفاق الثروة الجديدة — كل منهم بهدف المساعدة في إثارة الوعي بما يحدث في هذه الفترة الحاسمة.
في الجزء الثالث، تتحدث زارا رحمان من OpenOil عن كيفية دفع الحكومة لتكون شفافة.
أنظر أيضًا: تحقيق إدارة البترول اللبنانية بداية إيجابية
تجنب حرب إقليمية على الهيدروكربونات
أصبحت الشفافية بمثابة كلمة طنانة لدى السياسيين اللبنانيين، وأحدثهم رئيس الوزراء السابق فؤاد السنيورة، حيث يقترحون طرقًا لتجنب الممارسات الفاسدة وسوء الإدارة في صناعة الغاز الناشئة في البلاد. ولكن نشر المعلومات والاشتراك في مبادرات الشفافية ليست كافية؛ هذه الشفافية تحتاج إلى أن تقترن بإمكانية الوصول إلى المعلومات من أجل أن تضيف قيمة فعلية إلى العملية، وتحتاج أيضًا أن يبقى الشعب اللبناني مهتمًا ومنخرطًا فيما تفعله الحكومة بمواردهم الطبيعية.
يمكن فهم الشفافية في الصناعات الاستخراجية، على أنها جعل المعلومات علنية حول ما يحدث في كل مرحلة من مراحل سلسلة القيمة. ولمنع التفضيلات الخفية، ينبغي على الحكومات نشر العقود، وإطلاق المناقصات على الإنترنت والإعلان عن جولات التراخيص وقواعد العطاء بشكل واسع للعامة في نفس الوقت.
لكن المشكلة مع هذا النوع من الشفافية، على الأقل في الصناعات الاستخراجية، هي أن المعلومات المفرج عنها غالبًا لا يمكن أن تُفهم من قبل الغالبية العظمى من السكان. وبهذه الطريقة تفقد قيمتها، لمجرد أنها غير مقترنة بالأدوات اللازمة لفهم واستخدام تلك المعلومات. حقيقة أن الحكومة تضع المعلومات على الإنترنت – غالبًا دون الإعلان عن كيفية إيجادها أو وضعها في صيغة يسهل قراءتها وفهمها – لا يُسهم بالضرورة بعبارات ملموسة في جعلها حكومة ‘شفافة’.
خذ، على سبيل المثال، حكومة إقليم كردستان، التي نشرت عقودها الموقعة على الإنترنت. وقد تم الترحيب بهذه الخطوة كعلامة واضحة على التزامهم بقطاع استخلاص مستدام وشفاف، وذلك بحق، ولكن حقيقة أن العقود متوفرة فقط بصيغة أدوبي فلاش لها تأثير كبير على كيفية فهمها. هذه الصيغة تعني أنه لا يمكن سوى عرض صفحة واحدة في كل مرة من موقع KRG، وأيضًا أنه لا يمكن سوى طباعة صفحة واحدة في كل مرة. دون أن نكون ناقدين بشكل مفرط – لأن قرارهم بنشر العقود على الإنترنت كان خطوة كبيرة في الاتجاه الصحيح – فإن الصيغة التي اختاروها (سواء كان ذلك قرارًا واعيًا أم لا) أعاقت الوصول إلى المعلومات.
لقد أصدرت بلدان أخرى بيانات تقول إنها قررت وضع عقودها على الإنترنت؛ ولكن البحث عنها لا يأتي بأي شيء. سواء كان ذلك يعني أنهم قرروا سحبها، أو وضعوها على عنوان URL غامض حيث يجدها الناس بصعوبة، أو أنهم كانوا يكذبون من الأساس ليس واضحًا. ما هو واضح، مع ذلك، هو أن بيانات الشفافية تعني فعليًا القليل جدًا ما لم تأخذ الحكومة الوقت الإضافي لضمان أن الناس يمكنهم الوصول إلى تلك المعلومات بسهولة.
علاوة على ذلك، نحتاج إلى مساعدة الناس لتجاوز اللغة القانونية حيث تبدو عقود النفط غالبًا محصنة من الفهم للعين غير المدربة. بالنسبة لمحامي عقود النفط والغاز، يمكن لهذه العقود أن تكشف عن كميات هائلة من المعلومات حول ما تم التركيز عليه في قاعة التفاوض، وما تم التنازل عنه من قبل الشركة والحكومة، ومن يحصل على ‘الأفضل’ في العقود. لكن بالنسبة لأي شخص آخر، فإن قراءة العقد من البداية يمكن أن تكون مهمة شاقة؛ مثل قراءة لغة أجنبية بدون قاموس.
المنظمات الدولية تتخذ خطوات الآن لزيادة إمكانية الوصول إلى هذه العقود: بما في ذلك (تنبيه: مشروع شارك فيه الكاتب) OpenOil، التي أنتجت الأولى دليل لغير المتخصصين لفهم العقود في نوفمبر الماضي، وصدرت بموجب ترخيص المشاع الإبداعي. تم تصميم هذا الكتاب ليكون دليلًا يسمح للمواطنين بفهم فعلي للقضايا التي تغطيها عقود النفط، لكي يتمكنوا من العمل كجهة رقابية فعالة وحقيقية على كل من حكومتهم والشركات.
تتوفر أيضًا أدوات أخرى، مثل الدورات التدريبية حول قضايا العقود والسياسات، والموارد القائمة على الإنترنت مثل GOXI – الشبكة الاجتماعية التي تجمع الخبراء العاملين على حوكمة الصناعات الاستخراجية في جميع أنحاء العالم.
لذا فلنقل، نظريًا، أن الحكومة اللبنانية تلتزم حقًا بالشفافية، وتوفر مركزًا واحدًا للمعلومات حيث يمكن العثور على معلومات عن العملية – بما في ذلك أي عقود قد توقعها الحكومة مع الشركات الدولية وإعلانات واضحة لدعوات المناقصات. الخطوة الحاسمة التالية هي إيجاد أشخاص داخل لبنان لأخذ تلك المعلومات واستخدام تلك الأدوات للدخول إلى العملية وفهم ما يجري بالفعل.
هذه المجموعة من الناس لا يجب أن تكون بالضرورة من المجتمع المدني؛ قد تكون أيضًا من القطاع الخاص المحلي، الذي يرغب في التأكد من حصوله على أفضل فرصة ممكنة للحصول على أعمال من الصفقات التي تعقدها حكومتهم مع شركات النفط الدولية. أو أنه قد يكون طلاب الهندسة الذين يريدون التأكد من أنهم يحصلون على فرصة للتدريب وفقًا للمعايير الدولية من قبل الشركات – بلغة العقود، أن هناك بند ‘المحتوى المحلي’ قوي. أو، والأفضل، مزيج من العديد من المجموعات المختلفة – فكلما ازداد عدد الناس المنخرطين في فهم تلك المعلومات وفعل اتخاذ قرارات جيدة المعلومات على ما ينبغي أو لا ينبغي أن يحدث، كان ذلك أفضل.
هؤلاء الناس بحاجة لأخذ الأدوات المتاحة الآن، والبدء في فهم ما يمكن، أو ينبغي، أن يجري في الصناعة. يمكن لهذه المجموعة من الناس، مهما كانت صغيرة، ثم نشر المعلومات إلى عامة الناس بشروط أكثر قابلية للفهم؛ بعبارة أخرى، ديمقراطية العملية كلها وإتاحة الفرصة لأكبر عدد ممكن من الناس لفهم ما يجري في صناعتهم النفطية والغازية.
لكي يكون للبنان أفضل فرصة لقطاع نفط وغاز خالٍ من الفساد ومدار بطريقة مسؤولة، فإن الالتزام بالشفافية يجب أن يأتي من جميع مستويات المجتمع. لا يمكن للحكومة أن تقوم بذلك بمفردها؛ بل تحتاج إلى المواطنين للعمل كجهة رقابية، سواء للحكومة نفسها أو للشركات التي تتعامل معها. يجب أن يضمن هؤلاء المواطنون أن كل طرف مشارك يتصرف بطريقة مسؤولة اقتصاديًا واجتماعيًا. المعرفة قوة؛ وهذه القوة يجب أن تنتمي إلى الشعب اللبناني، كما تنتمي الموارد الطبيعية إليهم.
زارا رحمان هي باحثة منتسبة في منظمة للشفافية ودار نشر مقرها برلين، OpenOil