Home الاقتصاد والسياسةحالة مفقودة أم فرصة قابلة للتصحيح؟

حالة مفقودة أم فرصة قابلة للتصحيح؟

by Carlos Naffah

لقد تأثرت لبنان بشكل كبير بتدفق اللاجئين السوريين منذ اندلاع الحرب الأهلية السورية في عام 2011. وفقًا لتقديرات الحكومة، يقدر عدد اللاجئين السوريين بنحو 2 مليون، مما يجعل لبنان يحتضن واحدة من أكبر تجمعات اللاجئين عالميًا. هذا التدفق الضخم أدى إلى ضغوط على الاقتصاد والبنية التحتية في لبنان التي كانت هشة بالفعل، مما خلق تحديات كبيرة في دمج هؤلاء اللاجئين في النسيج الاقتصادي للبلاد. ومع ذلك، من المهم الاعتراف بأن اللاجئين السوريين يقدمون أيضًا فرص اقتصادية محتملة، لا سيما من خلال عملهم الذي، إذا تم استغلاله بشكل فعال، يمكن أن يساهم بشكل كبير في الاقتصاد اللبناني.

الزيادة الكبيرة والمفاجئة في عدد السكان، خاصة منذ عام 2013، وضعت ضغطًا هائلًا على الخدمات العامة والبنية التحتية في لبنان حيث تحملت أنظمة الرعاية الصحية والتعليم الجزء الأكبر من هذا الضغط. الزيادة في عدد الطلاب الذين تتراوح أعمارهم بين 6 و15 عامًا منذ عام 2014 وحتى الآن أدت إلى ازدحام الفصول الدراسية، وتشغيل المدارس بنظام الدوام الثاني، وانخفاض جودة التعليم، وضغط على نسبة الطلاب إلى المعلمين. وبالمثل، فإن نظام الرعاية الصحية كان مضغوطًا أيضًا، مما أدى إلى زيادة فترات الانتظار، وتراجع في جودة الرعاية، وضغط على الموارد الطبية. قدر البنك الدولي أن بين عامي 2012 و2014، تكبدت لبنان تكاليف تتراوح بين 308 مليون دولار و340 مليون دولار للرعاية الصحية والتعليم وشبكات الأمان الاجتماعي، و589 مليون دولار للبنية التحتية، مما يبرز الحاجة الملحة للدعم والاستثمار. كما أن الضغط المتزايد على الخدمات العامة أدى أيضًا إلى تفاقم تحديات البنية التحتية، مثل عدم كفاية إمدادات الكهرباء والمياه وأنظمة إدارة النفايات، مما يفاقم الظروف المعيشية للاجئين والمجتمعات المضيفة.

توسع الاقتصاد غير الرسمي

يشير الاقتصاد غير الرسمي إلى الأنشطة الاقتصادية التي لا تخضع للتنظيم من قبل الحكومة ولا تساهم في الناتج المحلي الإجمالي الرسمي. العديد من اللاجئين السوريين يفتقرون إلى تصاريح العمل القانونية، خصوصًا لأن وزارة العمل تسمح فقط للسوريين بالعمل في ثلاثة قطاعات غير ملائمة لمعظم السكان المحليين: الزراعة والبناء والتنظيف. هذا يدفعهم للعمل في الاقتصاد غير الرسمي، الذي يتميز بأجور منخفضة وظروف عمل سيئة وغياب الحماية الاجتماعية. يقدر أن القطاع غير الرسمي يشكل ما بين 30 إلى 40 في المئة من جميع الأنشطة الاقتصادية وكان بالفعل عقبة أمام النمو الاقتصادي المستدام، ويقدر البعض بشكل غير مؤكد أن هذا الرقم تضاعف وأصبح أكثر ازدحامًا على حساب جميع المتنافسين على فرص العمل في هذا القطاع.

تقول الشركات المسجلة حسب الأصول، التي يتعين عليها التعامل مع زيادة الأعباء الضريبية وغيرها من العيوب التنافسية، إن نمو الاقتصاد غير الرسمي يعيق أداء الأعمال الرسمية من خلال خلق منافسة غير عادلة. هذا يمكن أن يؤدي إلى تراجع في نشاط الأعمال الرسمية وفقدان للإيرادات الضريبية. كما أن نقص الرقابة في القطاع غير الرسمي يجعل من الصعب حماية حقوق العمال، مما يؤدي إلى الاستغلال والانتهاكات.

زاد اندماج اللاجئين السوريين في الاقتصاد غير الرسمي من التوترات الاجتماعية والفوارق الاقتصادية. غالبًا ما ينظر المواطنون اللبنانيون، خاصة أولئك الذين يعيشون في المجتمعات الفقيرة، إلى اللاجئين كمنافسين على الموارد والفرص العمل المحدودة. هذا التصور أدى إلى تأجيج التوترات الاجتماعية والاستياء تجاه اللاجئين، مما يعقد جهود دمجهم اقتصاديًا واجتماعيًا، خصوصًا لأنه حوالي 1.5 مليون لاجئ يتلقون المساعدة الإنسانية من الوكالات الدولية. على الرغم من أن عددًا مشابهًا تقريبًا من اللبنانيين المحتاجين يستفيدون أيضًا من أشكال مختلفة من الدعم المانحين، فإن المستفيدين السوريين الذين يعملون في الاقتصاد غير الرسمي يُنظر إليهم على أنهم يتمتعون بميزة تنافسية على اللبنانيين الفقراء.

تم التأكيد على التأثير الاجتماعي المتفجر للوضع من قبل دراسة استقصائية حديثة للبنك الدولي، والتي وجدت “زيادة كبيرة في الفقر المالي من 12 بالمئة في عام 2012 إلى 44 بالمئة في عام 2022 عبر المناطق المستقصاة”، وهي خمس محافظات لبنانية. حقيقة أن ثلث اللبنانيين يعيشون تحت خط الفقر المعدل وغالبًا ما تضطرهم الأزمة الاقتصادية إلى قبول وظائف ذات أجر أقل وأقل مهارات تساهم في زيادة التنافس على نفس الوظائف غير الرسمية مع العمال السوريين الذين تعيش عائلاتهم بنسبة تصل إلى 90 في المئة تحت خط الفقر لعام 2022.

أدى ذلك إلى حوادث تمييز وكراهية ضد اللاجئين، خاصة في المناطق الأشد فقرًا، مما يخلق جوًا من العداء الذي يعيق قدرة اللاجئين على الاندماج اقتصاديًا واجتماعيًا. كانت الجهود المبذولة لمعالجة هذه التوترات الاجتماعية غير كافية بسبب نقص الموارد البشرية والمالية، وغالبًا ما كانت هذه المبادرات مقتصرة على برامج تجريبية ذات تأثير تجريبي محدود.

الوضع الاقتصادي وسوق العمل اللبناني قبل الحرب السورية

قبل الصراع السوري، كان اقتصاد لبنان يتميز بتقلبات كبيرة في الناتج المحلي الإجمالي، حيث كان النمو الاقتصادي متركزًا بشكل زائد في مجالات مثل الخدمات المصرفية والسياحة والعقارات. الناتج المحلي الإجمالي للبنان، الذي وفقًا لمصرف لبنان، البنك المركزي اللبناني، تراجع من متوسط معدل سنوي بنسبة 8 بالمئة بين 2008 و2010 إلى متوسط 2 بالمئة بين 2010 و 2012، واجه تقلبات كبيرة في أول عقدين من القرن ولكنه كان مدعومًا ببيئة سياسية مستقرة نسبيًا وتدفقات نقدية قوية من الجاليات اللبنانية ودول الخليج. ومع ذلك، كانت المخاطر الهبوطية واسعة النطاق، بما في ذلك نسب الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي العالية بشكل مستقل والعجز المالي الضخم بالإضافة إلى نقص الاستثمارات في البنية التحتية والمحسوبية السياسية والفساد الذي أعاق التنمية الاقتصادية المستدامة.

تأثير الحرب السورية على الاقتصاد اللبناني

تأثرت الاقتصاد اللبناني بشكل كبير بالحرب السورية منذ أوائل العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، مما أدى إلى انكماش كبير في النشاط الاقتصادي وزيادة الضغط المالي. وظهرت التحديات الاقتصادية التي انعكست في الانخفاض الحاد المذكور في نمو الناتج المحلي الإجمالي لعامي 2011-2012، وتفاقمت خلال السنوات القليلة اللاحقة بسبب تدفق اللاجئين الذي بلغ ذروته بين عامي 2013 و2015.

لقد زادت الطلبات على الخدمات العامة والبنية التحتية وفقدان الإيرادات بسبب الاضطرابات في التجارة والسياحة من الضغط على المالية الحكومية. اتسعت العجز المالي وارتفعت نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى أكثر من 150 بالمئة. كما أدى تباطؤ الاقتصاد إلى ارتفاع معدلات البطالة والفقر، مما فاقم التحديات الاجتماعية والاقتصادية. على سبيل المثال، وجدت دراسة للبنك الدولي أن أزمة اللاجئين السوريين كلفت لبنان حوالي 18 مليار دولار من الناتج المحلي الإجمالي المفقود، مما يوضح حجم التأثير الاقتصادي.

توسع الاقتصاد غير الرسمي قد سبب تحديات كبيرة للحكومة اللبنانية. لقد عرقل الجهود لتنظيم سوق العمل، وتنفيذ معايير العمل، وجمع الضرائب. أدى انتشار التوظيف غير الرسمي أيضًا إلى تقليل المساهمات في الضمان الاجتماعي، مما يحد من الموارد المتاحة للخدمات العامة والحماية الاجتماعية. معالجة هذه التحديات تتطلب إصلاحات سياسية شاملة لدمج اللاجئين في سوق العمل الرسمي ودعم ظروف العمل اللائقة.

إمكانيات العمل السوري للاقتصاد اللبناني

على الرغم من التحديات الكبيرة، فإن تدفق اللاجئين السوريين يمثل أيضًا فوائد اقتصادية محتملة. دراسة أجراها المركز اللبناني للدراسات السياسية أظهرت أن اللاجئين زادوا من مجموعة مهاراتهم المتوفرة وزادوا بشكل كبير من الاستهلاك المحلي عن طريق ضخ المساعدات الإنسانية في الاقتصاد. هذه المساعدات، التي تقدر بأكثر من مليار دولار سنويًا، لها تأثير مضاعف مقداره 1.6 دولار لكل دولار يُنفق، مما يحفز الأسواق المحلية ويستفيد منه الشركات اللبنانية، خاصة في قطاعات الغذاء والإسكان.

وقد استفاد العديد من المستثمرين اللبنانيين من قوة العمل السورية الغنية التي تقبل العمل بأجور منخفضة، مما يقلل التكاليف، ويزيد هوامش الربح، ويعزز التنافسية في السوق. هذا أيضًا ساهم في إنشاء مصانع صغيرة ومتوسطة، خاصة في صناعة الأغذية. كما يساهم اللاجئون مباشرة في الاقتصاد كمستهلكين، حيث يؤثر الطلب المتزايد على السلع والخدمات بشكل إيجابي على الإنتاج والمبيعات.

لعبت المساعدات الإنسانية دورًا حاسمًا في تخفيف التأثير الاقتصادي لأزمة اللاجئين، من خلال تحفيز الأسواق المحلية وخلق فرص عمل. قدم المانحون الدوليون دعمًا ماليًا كبيرًا للبنان منذ بداية الأزمة إلى اليوم، مما ساعد على تلبية الاحتياجات الفورية ودعم الخدمات العامة. على سبيل المثال، قدم الاتحاد الأوروبي ما يقرب من 3 مليارات دولار للبنان من 2011 إلى اليوم. وقد دعمت برامج المساعدات مشاريع البنية التحتية، مثل تأهيل المدارس والمرافق الصحية وشبكات المياه، وتمكين البلديات، ودعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، مما يخلق فرص عمل للمواطنين اللبنانيين واللاجئين على حد سواء.

وجود عدد كبير من اللاجئين السوريين قدم فرصة للاستفادة من العمالة السورية لتحقيق النمو الاقتصادي في لبنان وملء الفجوات في سوق العمل. على سبيل المثال، يمكن للاجئين السوريين الذين لديهم خبرة في البناء والزراعة والمهن المختلفة أن يساهموا في هذه القطاعات، التي تعتبر حيوية بالنسبة للاقتصاد اللبناني.

قامت الحكومات اللبنانية المتعاقبة من عام 2011 حتى اليوم، بالتنسيق بشكل ضئيل مع المنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية، بتنفيذ برامج لتسهيل دمج اللاجئين السوريين في سوق العمل الرسمي ضمن المهن المسموح بها بمعرفة الوزارات اللبنانية ذات الصلة. سهلت وزارة التربية والتعليم العالي اللبنانية تنفيذ برامج التدريب المهني والتعليم للسوريين، حتى لو لم يكن لديهم أوراق تعريفية.

رغم تجاهل المسؤولين اللبنانيين لإمكانية ريادة الأعمال لدى السوريين، أظهر العديد منهم روح المبادرة والمرونة من خلال إنشاء أعمال تجارية في لبنان. تتراوح هذه الأعمال من متاجر التجزئة الصغيرة إلى شركات أكثر تطوراً في مجالات البناء والزراعة وخدمات السياحة والمزيد. تسجيل وتفعيل هذه الأعمال يمكن أن يؤدي إلى تدفق أموال الجاليات السورية إلى لبنان لتمويل وتطوير الاستثمارات، مما يشجع النشاط الاقتصادي وخلق فرص عمل للبنانيين والسوريين.

الأدوار والإجراءات المحتملة للبنان في مرحلة التعافي المبكر لسوريا

تمثل لبنان فرصة ممتازة للمساهمة في مرحلة التعافي المبكر في سوريا، نظرًا لقربه الجغرافي ووجود عدد كبير من اللاجئين السوريين، لا سيما منذ المؤتمر الثامن لدعم مستقبل سوريا والجوار الذي اختتم في بروكسل في 27 مايو من هذا العام، وزاد من قيمة صندوق التعافي المبكر في سوريا إلى 560 مليون يورو. بالإضافة إلى ذلك، ستقوم الوكالات الدولية بتنفيذ مشاريع تساهم في تخفيف العبء عن المواطنين السوريين الذين لا يزالون في سوريا، طالما أن الشركات المنفذة ليست تابعة للحكومة أو للمعارضة، مما يمكن أن يمثل فرصة مميزة للشركات اللبنانية.

يمكن للبنان أيضًا أن يلعب دورًا حيويًا في بناء مهارات وقدرات اليد العاملة السورية من خلال برنامج يمكِّن الطلاب اللاجئين من اكتساب مهارات ذات صلة بمستقبل سوريا. يشمل ذلك تقديم برامج التدريب المهني والتعليم للاجئين السوريين واللاجئين العائدين ودعم المبادرات لإعادة بناء وتعزيز نظم التعليم والتدريب في سوريا.

يشجع صانعو السياسات اللبنانيون على التخلي عن سياسات الوصاية التقليدية والجمود السياسي القاتل وتحويل الأزمة إلى فرصة. يمكن للبنان أن يعمل مع البلدان الإقليمية الأخرى لتعزيز التعاون والاستقرار الإقليمي. يشمل ذلك المشاركة النشطة في المنتديات الإقليمية والمبادرات لدعم حل سياسي شامل في سوريا ومعالجة التحديات الإقليمية الأوسع.

يجب معالجة الضغط على الخدمات العامة والبنية التحتية، وتوسع الاقتصاد غير الرسمي، والتوترات الاجتماعية كعوائق كبيرة. لكن من خلال استغلال القوى العاملة السورية ودعم العودة الآمنة والطوعية للا للاجئين، يمكن للبنان ليس فقط تخفيف التأثير الاقتصادي لأزمة اللاجئين، بل ودعم تعافي سوريا بشكل غير مباشر. من خلال اتخاذ خطوات استراتيجية وتعاون إقليمي، يمكن للبنان تحويل هذا الوضع الصعب إلى فرصة للنمو الاقتصادي والتنمية، مما يفيد كلا البلدين ويساهم في الاستقرار الإقليمي.

You may also like