عصام (سيمي) مرحب هو أحدث ظاهرة منتشرة في لبنان. فيديوهاته القصيرة (‘فيلفيز’) التي بدأها من سيارته اجتاحت وسائل التواصل الاجتماعي. في مقاطعه المصورة، يشارك عصام ملاحظاته الشخصية، حيث يعكس بشكل ساخر أعراض اضطرابات الشخصية لدى المجتمع الراقي.
كل فيديو لديه هو مثال كوميدي لفقدان الهوية الشخصية التي تصيب مجتمعنا. على الرغم من أن عصام كان يعبر عن بعض أفكاره من خلال حالات فيسبوك الهزلية والساخرة (مع احترامه الشديد لحريته في التعبير عن نفسه)، إلا أنه فقط عندما غيّر طريقة الشرح بدأ هذه التأملات بالانتشار خارج دائرة أصدقائه المقربين. شعبية عصام أصبحت الآن تزداد بسرعة بفضل مقاطعه الفيلمية العفوية والمضحكة والمختصرة التي تتناول مواضيع لا يجرؤ الآخرون على مناقشتها. ومع ذلك، فإن ثورته على مواقف مجتمعنا المزيفة وتبنيه للاتجاهات الأجنبية يمكن فهمها من قبل كل من يعرف من أين جاء.
عصام هو ابن الراحل الحبيب آلان مرحب، ‘ملك الهوارة’ )والهوارة نوع من الأغاني الساخرة التي تتحدث عن القضايا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية( والراقصة والمصممة ناى لحود مرحب. نشأ في منزل مليء بالحب والفن، في جو يشجع على الفردية والأصالة. والده، الذي كان أحد أعظم كنوز أمتنا في مشهد الأداء الفني، كان يُشاد به كأحد القلائل الذين سعوا للحفاظ على أشكالنا الفنية التقليدية. وجعلها مهمته الحياتية أن يعلم العالم عن الموسيقى والرقص اللبناني، وافتخاره الصادق بالانتماء إلى أمته لامس الكثيرين، خاصة عائلته.
لذلك فلا عجب أن عصام )أيضًا مؤدي موهوب فطريًا، أظهر مهاراته التمثيلية في مسرحية عمه روميو لحود ‘طريق الشمس’ في صيف عام 2014 في كازينو لبنان(، يشارك والده في شغفه بالتقاليد اللبنانية. يضيف لمسته الخاصة من خلال السخرية المصممة بعناية، وبفضل ‘فيلفيز’, رسالته تنتشر بسرعة.
في الفيديوهات، ينتقد العصام الفئة ‘الشائعة’ من مجتمعنا بسبب ميلهم للاستعراض ونقص التواضع )فيلفي ‘الأرز والصالات التجارية'(؛ وبسبب تصفيقهم المفاجئ للقضايا التي كان ينبغي عليهم دعمها بالفعل، والتي تم تحفيزها بواسطة حدث وقع في قارة أخرى ولن يؤثر حتى عليهم )فيلفي ‘الفخر بالحب'(؛ ولأي نوع من تقليد الاتجاهات العالمية الأخيرة بينما يبتعدون أكثر فأكثر عن انتمائهم اللبناني )فيلفي ‘كينوا/كال'(.
المواضيع التي يعالجها قد تبدو غير مهمة عندما تؤخذ بشكل فردي، ولكن رسالته الأوسع بعيدة عن التفاهة. على الرغم من أنه يصف نفسه ساخرًا كـ “#كاره_للأبد ثاني علامة شارپ تدعو “#أنقذوا_لبنان”. وهذا النداء الصادق، رغم أنه مطروح بأسلوب عفوي وساخر، يحمل أكثر مما يبدو من السخرية غير المجدية.
ولا عجب أن ليس الجميع من محبي عصام، خاصة أولئك الذين لا يقدرون فن النقد الذاتي. ولكن القليل يستطيعون أن يظلوا غير متأثرين بالإحباط الواضح الذي يبرز رغبته في مجتمع أكثر صدقًا. ألا ينبغي أن نكون ممتنين لأمثال عصام، أحد القلائل الذين يهتمون بما يكفي ليكشفوا علنياً عن علامات فقدان الهوية الشخصية في مجتمعنا؟ شخص يسخر بكل ثقة من مواقف الذين من المفترض أنهم يشكلون ‘القشدة الاجتماعية’، ولكنهم في الواقع يجردون أنفسهم في محاولة مؤدبة ليبدو أكثر ‘انفتاحاً’؟
‘#أنقذوا_لبنان’، يعلن بسخرية. ومع ذلك، إذا بدأ كل منا ببذل جهد لاكتشاف والعمل على تلك التعقيدات الصغيرة التي تشوه إحساسنا بالانتماء إلى الفسيفساء الملونة لأمتنا، قد نتمكن في النهاية من تشكيل مجتمع صحي وأكثر صدقًا، وربما في النهاية، ‘أنقذوا لبنان’.