بعد عقود من النمو الاقتصادي غير المتوازن في ظل إصلاحات شبه ليبرالية، انفجرت منطقة الشرق الأوسط في خضم اضطرابات ‘الربيع العربي’، واختفت العديد من المجموعات التجارية التي شكلت محور التطورات قبل عام 2011 من الساحة السياسية، أو أعادت تكوين نفسها بطرق أخرى.
تتناول هذه العملية دراسة بعنوان ‘السياسة التجارية في الشرق الأوسط’ التي تدرس دور القطاع الخاص في ضوء التغيرات الأخيرة في الأنظمة، والدور الذي تلعبه المشاريع في توجيه سياسات الدولة، والضغط الذي يمارسه القطاع الخاص على الحكومة والمناهج التي تسعى الأنظمة من خلالها لإبقاء الأعمال التجارية معتمدة – مواضيع هامة لا تحصل عادةً على الكثير من الاهتمام.
كما يقدم الكتاب رؤى حول بعض الشركات الفردية، وتأثيرها وما يمكن أن تكون عليه الآفاق المستقبلية. وتثير اهتماماً خاصاً مناقشة العلاقة بين الأعمال التجارية والإخوان المسلمين، وهو موضوع ذو أهمية خاصة في ظل تطورات هذا الصيف في مصر.
المحررون، ستيفن هرتوغ من كلية لندن للاقتصاد، جاكومو لوسياني من كلية باريس للشؤون الدولية وجامعة برينستون، ومارك فاليري من جامعة إكستر، معروفون جيدًا في الأوساط الأكاديمية والسياسية للشرق الأوسط. لوسياني ربما يكون الأكثر بروزاً حيث عمل بشكل مكثف على موضوع الريعية في العالم العربي مع آخرين من بينهم حازم الببلاوي، رئيس الوزراء الحالي لمصر.
تنطلق هذه الدراسة من أن غالبية الدول العربية قد شهدت في العقدين السابقين للربيع العربي إعادة هيكلة لعلاقات الدولة مع المجتمع تراجعت فيها مجموعات المصالح من الطبقات الدنيا والوسطى بينما استفادت الشركات الكبرى من خلال الاندماج في صنع السياسات وفتح قطاعات اقتصادية كانت تهيمن عليها الدولة سابقاً.
لقد غيّر ‘الربيع العربي’، الذي من المرجح أن يؤدي إلى نظام سياسي أكثر تعددية على المدى الطويل، الكثير من هذا، حيث أن القطاع التجاري في المجتمع الذي كان غالبًا قريبًا من الأنظمة القديمة يلعب دورًا أقل حيوية. ولكن هذا لا يزال عملًا جاريًا كما يظهر من خلال عملية التغيير الحالية في مصر وتونس وسوريا ودول أخرى.
في حين تم نشر الكتاب في أبريل من هذا العام، إلا أنه ليس بالمعنى الصارم عن ‘الربيع العربي’ – أربعة من دراسات الحالات التسعة للكتاب تغطي دول الخليج التي لم تشهد اضطرابات، بما في ذلك عمان، الكويت، الإمارات العربية المتحدة، وإيران، والتي لا تعتبر بالطبع عربية. بدأ المشروع الذي قام عليه البحث في 2007 تحت عنوان ‘دور القطاع الخاص في تعزيز الإصلاحات الاقتصادية والسياسية’. العديد من فصول هذا المجلد بدأت بوضوح قبل عام 2011.
في بعض الحالات تم إضافة ملاحظات تمهيدية وفقرات ختامية جديدة لتحديث البحث الذي تم في الأساس قبل ‘الربيع العربي’، والأثر العام هو مؤلفون يلهثون لمواكبة الأحداث الحالية. ربما كان العمل في جزأين أفضل: القسم الأول يتحدث عن الوضع قبل عام 2011، يليه تحليلات للبلدان على حدة حول السياسات التجارية في ضوء ‘الربيع العربي’ وما يمكن أن يحمله المستقبل.
ومع ذلك، فإن العودة إلى الأحداث المصرية والإقليمية الأخرى في الأشهر الماضية: هل يبدأ الآن مرحلة ثالثة – ربما ‘صيف عربي’ طويل – سيشهد صراعات ممتدة بين القوى المحافظة والراديكالية؟ إذا كان الأمر كذلك، فأين يتناسب العمل التجاري في سيناريوهات المرحلة التالية من الاضطرابات الإقليمية؟ قد تغرق كل مسألة السياسة التجارية في ظل عدم اليقين الحالي؛ في كلمات روبرت سبرينجبورج، مؤلف واحدة من المقالتين الرائعتين في الكتاب عن مصر، ‘مثل هذا الوضع الغامض ليس مفيدًا بالتأكيد للعمل التجاري، لذا في المستقبل القريب سيكون على الهامش بينما تجري الصراعات السياسية بواسطة قوى أكثر قوة.’
فهل هذا الكتاب الآن وثيقة من الماضي، وهل القصة كلها عن الأعمال التجارية و’الربيع العربي’ تحتاج إلى إعادة كتابة في جهد آخر؟ الجواب هو أنه كما هو الحال، ‘السياسة التجارية في الشرق الأوسط’ هو مساهمة قوية في الأدبيات حول الاقتصاد السياسي للمنطقة، ولكن مع ذلك سيحتاج إلى تحديث في طبعة جديدة قريبًا.
رياض الخوري، اقتصادي أردني يعيش ويعمل في المنطقة، هو مدير شركة DEA Inc، واشنطن العاصمة