آلام النمو

by Ziad Abou Jamra

تتجاوز قيمة الودائع المصرفية في لبنان الناتج القومي الإجمالي للبلاد بنحو ثلاثة أضعاف، حيث بلغ حجمها حوالي 127 مليار دولار في عام 2012، وتشكل جزءًا كبيرًا من التزامات ميزانياتها العامة. 

كان الجزء الخاص بالقروض متينًا وتعتبر سياسة الإقراض في البنوك اللبنانية محافظة للغاية. على سبيل المثال، يعتبر الحد الأدنى للدفع المسبق بنسبة 25 في المائة على قروض الرهن العقاري أمرًا معتادًا. وقد أثبتت هذه السياسة فعاليتها خلال الأزمات؛ حيث صمدت البنوك اللبنانية في وجه الأزمة المالية لعام 2008 دون أي تداعيات تذكر. بالإضافة إلى ذلك، نسبة القروض إلى الودائع في البنوك اللبنانية هي حوالي 35 في المائة مقارنةً، على سبيل المثال، بنسبة 80 في المائة للبنوك في مجلس التعاون الخليجي. 

المكون الرئيسي الآخر لأصول البنوك هو الحيازة الكبيرة على الدين الحكومي في شكل أذونات الخزينة اللبنانية والسندات الأوروبية. واعتبارًا من ديسمبر 2012، تم استثمار 42 في المائة من أصول البنوك اللبنانية في أوراق صادرة عن البنك المركزي أو الدولة، حسب تقرير وكالة موديز. 

بينما قامت البنوك التجارية بتمويل الدين العام لفترة طويلة وحققت أرباحًا جيدة، إلا أن سندات اليوروبوند وأذونات الخزينة تحمل مخاطرة كامنة في التعثر عن سداد الدين الحكومي. ونحن لا نعتقد أن هذا الأمر وشيك أو حتى محتمل في المستقبل القريب، لكن مع ذلك نحتاج إلى تسليط الضوء على الأدوات التي تساعدنا في قياس قدرة الحكومة على تمويل دينها. قد يتغير شغف البنوك التجارية الطويل الأمد بالدين العام إذا لم يحقق القطاع المصرفي نموًا حقيقيًا في الودائع والأصول. إن إحداث كسر في هذه الديناميكية سيعود في النهاية ليؤثر سلبًا على البنوك.

بعد أن بلغت نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي للبنان ذروتها عند حوالي 175 في المائة في عام 2007، سمح النمو القوي لهذه النسبة بالتراجع إلى 133 في المائة في نهاية 2010. في عام 2013، نرى أن النمو المنخفض في الناتج المحلي الإجمالي في السنوات الأخيرة أدى إلى ضغط تصاعدي على هذه النسبة، مما أثار مخاوف من أننا قد نتجه مرة أخرى نحو مستويات دين غير مستدامة. ومع ذلك، من المهم الإشارة إلى أن الاقتصاد اللبناني قد تمكن في فترة تقل عن 10 سنوات من مضاعفة الطلب الإجمالي، حيث كان الناتج المحلي الإجمالي حوالي 20 مليار دولار في عام 2004 وحالياً هو فوق 40 مليار دولار. 

إذا تمكن الاقتصاد من الاقتراب من هذا الأداء خلال السنوات العشر القادمة، فسنخرج من عنق الزجاجة؛ لقد عملنا في السنوات الأخيرة بدون ميزانية مقننة جديدة، مما يعني أن الحكومة تنفق فقط ما تكسبه. رغم أن النظرة المستقبلية للنمو الاقتصادي قصير الأجل في لبنان ليست مشرقة كثيرًا، فإننا نراها ممكنة كليًا للعودة إلى ديناميكية إيجابية في نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي. 

سيحتاج ذلك إلى معدل نمو في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 6 في المائة أو أكثر، وهو أمر واقعي بالنسبة للبنان كاقتصاد ناشئ. الاستقرار السياسي والأمني سيكونان أساسيين للعودة إلى معدلات نمو 6 في المائة أو حتى 8 في المائة، وهو ما نعتبره في متناولنا كما أثبتت البلاد بين عامي 2007 و2009. نتوقع أن يستعاد الاستقرار السياسي الداخلي كحل للوضع السوري في السنوات القليلة القادمة. 

هل الطهاة كثيرون؟

مسألة رئيسية أخرى هي أن لبنان ‘مفرط الصرف’، وغالبًا ما يتم التحدث عن ذلك بطريقة سلبية ولكننا نرى إمكانيات في هذا الأمر. 

بما أن نسبة عالية من الودائع إلى الناتج المحلي الإجمالي في القطاع المصرفي (300 في المائة في نهاية 2012) قد تطلبت توسعات جغرافية للمقرضين اللبنانيين في أسواق جديدة لسنوات عديدة، فنحن نرى القوة في الموارد البشرية والخبرة التي اكتسبتها البنوك في السوق المحلية المفرطة الصرف كمساعدة للتوسع الدولي.

في هذا السياق، نلاحظ أن “الربيع العربي” أسفر عن تجربة مؤلمة للبنوك اللبنانية التي خطت خطواتها الأولى في الخارج في الفترة حتى 2011. تأثرت عدة بنوك من الصف الأول، والتي توسعت بسرعة في دول مثل سوريا ومصر، بشكل كبير. نحن نعتقد أن الضرر كان كبيرًا ولكنه تم التهوين منه لأن ذلك كان سيتسبب في مزيد من الأضرار. تم تحقيق ذلك على الأرجح عن طريق السماح للبنوك بتخفيض الخسائر المتكبدة على مدى فترة طويلة من الزمن. نحن نعتقد أن مزيجًا من التعرضات الأكثر ملاءمة وسياسة توسعية جديدة ستعمل بقوة لصالح البنوك اللبنانية وستؤتي ثمارها لهم لا محالة. 

بالإضافة إلى ذلك، رغم أن كون لبنان مفرط التصرف يعني أن التشبع الزائد يمكن العثور عليه في أجزاء من السوق، إلا أن نسبة فروع البنوك التجارية في لبنان وفقًا للبنك الدولي في الفترة من 2008-2012 هي 31.5 فرع لكل 100,000 بالغ، وهي أقل بنحو 22.5 نقطة عن كثافة البنوك في سويسرا. 

خاتمة القول، نعيد التأكيد ونشدد على أنه، بالرغم من وجوب أخذ العديد من الحقائق والمتغيرات في الاعتبار عند محاولة تقييم مستقبل النظام المصرفي اللبناني، فإن قدرة (أو عدم قدرة) الاقتصاد على استئناف نمو قوي ستكون هي الأساسية لضمان استمرار صحة البنوك في لبنان.

زياد أبو جمرة هو نائب المدير العام في فيدوس

You may also like