Home الأعمالالاعتماد على الإصلاح: تعديل بنوكنا لدعم إعادة الإعمار

الاعتماد على الإصلاح: تعديل بنوكنا لدعم إعادة الإعمار

by Mounir Rached

في أعقاب الأزمة المالية والاجتماعية والاقتصادية المدمرة في لبنان، يتطلب إعادة بناء القطاع المصرفي واستعادة الاستقرار على مستوى الاقتصاد الكلي تدخلاً عاجلاً ومتقدماً. هذه الأزمة، التي تتميز بانهيار ثقة المودعين، والدمار الهيكلي الناجم عن الحرب، والعجز المؤسسي، تتطلب حلاً منهجياً لأزمة الودائع كركيزة أساسية لإطار التعافي الأوسع.

جهود مصرف لبنان، البنك المركزي للبنان، قدمت سيولة محدودة من خلال مبادرات مثل التعاميم 158 و166، الصادرة في يونيو 2021 / والمحدثة في نوفمبر 2023، والثانية الصادرة في فبراير 2024 والمعدلة في أكتوبر. هذا نهج غير كافٍ بشكل كبير لتلبية الاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية الملحة للسكان. تعامل الحكومة مع الودائع بالدولار قد زاد من تعقيد الوضع من خلال إجراءات لا يمكن الدفاع عنها قانونيًا وأخلاقيًا. تشمل هذه الإجراءات شطب ما يصل إلى 90 بالمئة من الودائع عن طريق نقلها إلى كيانات وهمية، أو تحويلها إلى سندات سيادية غير محققة الأداء، أو استبدالها بالجنيه اللبناني بأسعار متدنية للغاية. وقد دمرت هذه الآليات بشكل لا رجعة فيه الثقة العامة في القطاع المالي وزادت من تآكل الثقة في المؤسسات الحكومية. على الرغم من الاعتراضات من مجلس الدولة التشريعي في لبنان، والكتل البرلمانية الرئيسية، والمودعين أنفسهم، إلا أن هذه الإجراءات لا تزال قائمة، مما يبرز تردد الحكومة في مواجهة الأبعاد الهيكلية للأزمة.

يتطلب الحل المستدام إعادة هيكلة شاملة للعلاقة بين البنك المركزي والبنوك والحكومة بشكل عام. يجب الحفاظ على سلامة الودائع في ميزانيات البنوك التجارية بالتوازي مع الالتزامات ذات الصلة، وهي الودائع التي تحتفظ بها البنوك التجارية نيابة عن زبائنها في البنك المركزي. الإلغاء الصريح لهذه الودائع لا يفتقر فقط إلى مبرر قانوني ولكنه أيضًا يعرض تحديات البنك المركزي المالية والتشغيلية لخطر التعقيد. إن الاحتفاظ بهذه الالتزامات ضمن ميزانيات البنك المركزي يضمن الشفافية ويكون متوافقًا مع الإطار الأكبر لحل الأزمة. بالإضافة إلى ذلك، فإن الحُجج التي تزعم أن هذه الالتزامات تعوق السياسة النقدية غير مفروضة؛ بل، على العكس من ذلك، فإن إلغاء هذه الالتزامات سيفضخ المؤسسة إلى مزيد من التدقيق القانوني دون تحقيق أي ميزة تشغيلية.

إحدى التدخلات العملية لمعالجة قيود السيولة هي تقليل متطلبات الاحتياطي غير المبررة المفروضة على احتجاز العملة الأجنبية في البنوك اللبنانية. في الوقت الحالي، تصل هذه الاحتياطات إلى 10.7 مليار دولار – وهي واحدة من أعلى الأرقام على مستوى العالم. سيطلق تقليل نسبة الاحتياط إلى المتوسط الدولي البالغ 2 في المئة ما يقرب من 9 مليارات دولار في السيولة، والتي يمكن توزيعها على المودعين كدفعة أولية بنسبة 10 في المئة من حساباتهم المجمدة. سيوفر هذا الإجراء الإغاثة الفورية ويشكل خطوة حاسمة نحو استعادة الثقة في النظام المصرفي.

بالإضافة إلى تحرير الاحتياطات الإلزامية، يحتفظ البنك المركزي بحوالي 25 مليار دولار في احتياطيات الذهب، وهي أصل هام تم تجميعه من خلال عقود من مساهمات المودعين. تخصيص نصف هذا الاحتياطي – حوالي 12.5 مليار دولار – لتوفير سيولة إضافية للبنوك يمكن أن يخفف من أزمة الودائع. معًا، يمكن لهذه الإجراءات أن تعيد حوالي 24 بالمئة من الودائع المجمدة إلى أصحاب الحسابات. هذا النهج المزدوج مدعوم بالهيكل القانوني للبنان؛ حيث يسمح المادة 75 من قانون النقد والائتمان صراحة للبنك المركزي بالاستفادة من احتياطيات الذهب لتحقيق استقرار السيولة، بشرط التنسيق مع وزارة المالية.

التردد في استخدام احتياطيات الذهب يعكس سوء فهم لدورها في السياسة النقدية. الذهب، كأصل سائل عالمي، يمكن تداوله بسهولة في الأسواق المالية العالمية. بخلاف الاعتراضات التقليدية، فإن استخدام جزء من هذه الاحتياطيات ليس مسموحًا به قانونيًا فحسب، بل هو أيضًا تصرف حكيم من الناحية الاقتصادية، خاصة في سياق الأزمة المالية الحادة التي يمر بها لبنان.

ومع ذلك، الحلول التقنية وحدها لا يمكن أن تعيد ثقة المودعين. الإصلاحات الأساسية في الحكم النقدي ضرورية لمعالجة القضايا النظامية الأساسية للأزمة. خطوة حاسمة هي إلغاء نظام سعر الصرف المزدوج المتعدد في لبنان، الذي يعزز التشوهات الاقتصادية. إن تبني سعر صرف محرر بالكامل هو أمر لا غنى عنه لتحقيق التوازن في السوق وتجنب تكرار عدم استقرار النقد. بينما تعزى استقرار سعر الصرف الحالي إلى ضبط مالي، فإنه يظل هشا في غياب الإصلاحات الهيكلية.

أولوية أخرى هي معالجة وضع لبنان على “القوائم الرمادية” الدولية لنقص الامتثال المالي. القيود على تدفقات رأس المال الخارج قد قلصت من خطر النظام الفوري، لكن المصداقية الطويلة الأجل تعتمد على إصلاحات شفافة تتماشى مع المعايير المالية العالمية. بشكل مشجع، من المحتمل أن تظل نسبة كبيرة من السيولة الجديدة المتولدة تتدفق داخليًا، مما يعالج الاحتياجات الاستهلاكية الملحة بدلاً من تفاقم العجز الخارجي.

يجب إعادة توجيه الولاية الأساسية للبنك المركزي نحو إدارة السيولة المحلية، وممارسة إشراف تنظيمي صارم، والترويج للاستقرار الاقتصادي الكلي. دوره ليس توليد عائدات عالية بل حماية رفاهية المجتمع وإعادة بناء الثقة في النظام المالي. الممارسات الحالية، مثل السحوبات المحدودة المسموح بها تحت التعاميم 158 و166، غير كافية بشكل كبير وتتنافى مع المعايير القانونية والأخلاقية. تجميد الودائع المستمر بدون فائدة ينتهك المبادئ الأساسية وقانون النقد والائتمان.

تعتمد استعادة لبنان على اتخاذ إجراءات حاسمة لحل الأزمة المصرفية وإعادة تأسيس ثقة العامة. يشمل ذلك إعادة السيولة إلى المودعين، وإصلاح آليات سعر الصرف، والاعتماد المسؤول على احتياطيات الذهب. يمكن لمثل هذه الإجراءات، عندما تقترن بقدر كافٍ من الرقابة التنظيمية والالتزام بالشفافية المؤسسية، أن تضع الأسس للتعافي الاقتصادي الشامل. استقرار القطاع المصرفي ليس مجرد تحدٍ تقني بل هو واجب أخلاقي واستراتيجي لأجل إعادة بناء لبنان وتحقيق التنمية المستدامة.

You may also like