الشمول المالي هو حجر الزاوية للتنمية المستدامة. المفهوم الأساسي هو أن عدم الحصول على الخدمات المالية أو الحصول عليها بشكل ضعيف يجعل الحياة أكثر تعقيدًا للأشخاص الذين يحاولون تنمية أعمالهم ورعاية أسرهم والوصول إلى الخدمات التي يحتاجونها في حياتهم اليومية. من خلال تحسين جودة الخدمات المالية والروابط للسكان المحرومين، يمكننا المساعدة في تقليل الفقر، تحسين المرونة الاقتصادية، تشجيع الابتكار وسد فجوات العدالة. يبدأ الشمول المالي بتوفير الوصول إلى حساب للتعاملات، مما يتيح تخزين المال وإرسال واستقبال المدفوعات. ولكنه يغطي أيضًا مجموعة واسعة من الخدمات التي تركز على العملاء، مثل التوفير، التأمين، الإقراض، بالإضافة إلى قضايا أوسع مثل الوعي المالي، الهوية الرقمية والتكنولوجيا المالية.
هناك العديد من الصناعات التي تدفع العجلة نحو الشمول المالي. في السياق اللبناني، كان قطاع التمويل الأصغر محركًا قويًا؛ حيث يوفر الخدمات المالية للأعمال الصغيرة والصغرى وللشري الحة ذات الدخل المنخفض التي لا تستطيع الوصول إلى الخدمات المصرفية التقليدية. كانت الشبكات من الوكلاء ومسؤولي القروض الملتزمين الذين يبنون علاقات قوية مع المستفيدين النهائيين عنصرًا رئيسيًا في نجاح الصناعة. وهذا غالبًا ما يأتي مع مجموعة من الخدمات غير المالية التي تقدمها مؤسسات التمويل الأصغر (MFIs) مثل التدريب الفني على إدارة دخل الأسرة أو الدعم الزراعي للمزارعين الصغار. قبل حدوث الأزمات المتعددة في لبنان في نهاية 2019، أثبت قطاع التمويل الأصغر في لبنان أنه قادر على الأداء بشكل يتماشى مع أو يفوق المعايير العالمية، مما يخلق فرص نمو قوية مع الحفاظ على التزاماته تجاه عملائه النهائيين وشركائه الدوليين. وفقاً لجمعية التمويل الأصغر اللبنانية، وصلت قيمة القطاع إلى 220 مليون دولار في 2018 بينما قام بخدمة 153,000 عميل.
ومع ذلك، فإن الأزمة الاقتصادية أصابت الصناعة بالعجز؛ واليوم تعمل بجزء يسير من قدرتها. وهذا أولاً وقبل كل شيء بسبب الأزمة المتفاقمة، التي تفاقمت بسبب جائحة كوفيد-19، والتي وضعت عملاء التمويل الأصغر – عدد كبير منهم من النساء – تحت ضغط مالي شديد. أشار دراسة أجرتها CGAP، وهي جناح استشاري تابع للبنك الدولي، حول التأثير المباشر للأزمة الاقتصادية وأزمة كوفيد-19 في لبنان على عملاء التمويل الأصغر إلى أن 90 بالمئة من عملاء التمويل الأصغر تعرضت عوائدهم للانخفاض وأن 40 بالمئة من الأعمال قد أغلقت. علاوة على ذلك، 40 بالمئة من عملاء التمويل الأصغر غير قادرين على تلبية احتياجاتهم الأساسية، و60 بالمئة قاموا بتخفيض كميات الطعام الأساسية في عام 2020. ونظرًا لأن هذه الأرقام تعود إلى عامين مضت، يمكننا أن نراهن بأمان على أن هذه النسب المئوية ستكون أكبر بكثير الآن.
صورة تتقلص؟
نتيجة للركود، تدهورت جودة أصول مؤسسات التمويل الأصغر وزاد عدد القروض المتعثرة بشكل كبير. بالإضافة إلى ذلك، تواجه مؤسسات التمويل الأصغر نقصًا شديدًا في السيولة وعدم توافق كبير في أصولها والتزاماتها بالعملات الأجنبية، خاصة وأن الاقتصاد أصبح معتمدًا على الدولار. العديد من مؤسسات التمويل الأصغر لا تقبل الودائع وتعتمد فقط على الموارد والاقتراض بالدولار الأمريكي من المقرضين الأجانب. يشكل هذا تهديدات خطيرة لاستدامة قطاع التمويل الأصغر وعملياته، حيث أن بعض مؤسسات التمويل الأصغر بالفعل تواجه الإفلاس.
ومع ذلك، في نفس الاستبيان الذي أجرته CGAP، قال 93 بالمئة من مقترضي التمويل الأصغر أنهم سيعودون للاقتراض مع تحسن الظروف الاقتصادية. وهذا أمر لافت للنظر في هذه الأوقات غير المستقرة. تستغل مؤسسات التمويل الأصغر التي لا تزال تعمل علاقاتها مع منظمات التنمية لاستكشاف قنوات جديدة لتعزيز المرونة الاقتصادية، رغم الظروف الصعبة لانهيار مالي.
يبذل أصحاب المصلحة من مجتمع المانحين والمقرضين الدوليين مثل البنك الدولي، والبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، وUSAID وغيرهم جهدهم لدعم القطاع في وجه الممانعة السياسية والتنظيمية. إن المساعدة الفنية والتمويلات الممنوحة التي يواصلون تقديمها ضرورية لدعم القطاع. إلا أن هذا لا يحل المسألة الوجودية للسيولة. يجب أن تجد مؤسسات التمويل الأصغر طريقة للحصول على تمويل ورأس مال جديد للقطاع، الذي في الوقت الحاضر مستثنى مالياً.
سيتطلب هذا إصلاحات ولوائح جديدة، لكن يمكن لأصحاب المصلحة في التمويل الأصغر أيضًا المساعدة بنشاط شركائهم في البلد من خلال استكشاف مصادر تمويل بديلة، بجانب التمويل التقليدي بالديون. على سبيل المثال، يمكن أن توفر التكنولوجيا المالية، مبادرات السندات، والتمويل الجماعي عبر القطاعين الخاص والعام حلول سيولة يمكن أن تتطور إلى نماذج تمويل تنموي جديدة للبلدان في أزمة. هذا التفكير الابتكاري وجمع الخبرات ضروريان لضمان استعادة القطاع لموقعه مرة أخرى وتقديم فرص اقتصادية ملموسة وواقعية لشرائح واسعة من السكان.