Home الأمن الغذائيأمن الغذاء في لبنان في وضع الأزمة

أمن الغذاء في لبنان في وضع الأزمة

by Rouba Bou Khzam

لقد ظهرت أحدث فصول الكوارث المتراكبة والمتعددة الأوجه في لبنان على شكل أزمات غذائية قاتمة ومتعددة الأبعاد. كما لو أن جرعة قاسية من كوفيد-19 وانفجار مرفأ بيروت في عام 2020 وانهيار الاقتصاد لم تكن كافية، فقد اهتزت هذا العام الاقتصادات العالمية بسبب حرب روسيا في أوكرانيا التي أثارت مخاوف غير مسبوقة بشأن الأمن الغذائي العالمي.

بالنسبة للبنان، أدت الأزمة إلى تفاقم المصاعب الاجتماعية بين أمة تزداد فقراً يوماً بعد يوم، مما أثر بشكل غير متناسب على الأسر الفقيرة والضعيفة وعزز عدم المساواة. [inlinetweet prefix=”” tweeter=”” suffix=””]كل أسبوع، تلجأ المزيد والمزيد من العائلات إلى تقليص المواد الأساسية من قوائم التسوق الخاصة بها[/inlinetweet] مع ارتفاع معدلات التضخم الغذائي بشكل خارج عن السيطرة بينما يقف السياسيون مكتوفي الأيدي. يعاني القطاع الغذائي في لبنان، الذي كان غير آمن قبل الأزمة الاقتصادية، من كشف جميع نقاط ضعفه.

ومع ذلك، فإن الحرب في أوكرانيا وتداعياتها العالمية ليست هي الوحيدة الملومة. هناك العديد من العوامل التي تسهم في انعدام الأمن الغذائي في لبنان؟ بعضها وُلِدَ من الأزمة، بينما عانى البعض الآخر من القطاع لسنوات، مثل إهمال الاستثمار الزراعي، وعدم الاستقرار السياسي المحلي والإقليمي، وسوء الإدارة المالية.

 توفر الغذاء

لقد برزت مكانة لبنان كبلد مستورد صافٍ للغذاء كضعف كبير في ضوء تعطل سلسلة إمداد الحبوب العالمية، مما يزيد من الصعوبات الموجودة في الحفاظ على مخزون كافٍ. بالإضافة إلى ذلك، مع انهيار الليرة اللبنانية، تتضاءل احتياطيات النقد الأجنبي في البنك المركزي، وبالتالي قدرته على دعم السلع الغذائية الأساسية.

يواصل الصراع بين أوكرانيا وروسيا ممارسة الضغط على أسعار القمح الدولية وتهديد مواسم الحصاد المستقبلية للدولتين المتحاربتين، المعروفتين بإنتاجهما للحبوب. وهذا يثير القلق بشكل خاص بالنسبة للشرق الأوسط، حيث تعتمد العديد من البلدان على القمح الأوكراني والروسي لتلبية احتياجات المجتمعات التي تعتمد على الخبز كغذاء يومي. في لبنان، يأتي حوالي 78 في المئة من القمح المستورد من هاتين البلدين.

قبل اضطراب القمح العالمي في هذا العام، كان الوصول إلى الغذاء في لبنان قد تلقى ضربة قوية بالفعل في عام 2020، عندما دُمِرَت صوامع الحبوب الرئيسية في البلاد في انفجار المرفأ الهائل في بيروت. مع قدرة تخزين تصل إلى 120,000 طن من الحبوب لتلبية معدل استهلاك شهري يبلغ 50,000 طن، كانت تلك الكارثة ضربة كبيرة لجوهر الأمن الغذائي في البلاد.

في الوقت نفسه، عمل المستوردون الاحتكاريون للغذاء في لبنان الذين يتحكمون في الأسعار والمخزونات على إلحاق الضرر بالإمدادات. فقد أُفرغت رفوف السوبرماركت من مجموعة من العلامات التجارية الأمريكية والأوروبية وبدلاً من ذلك تم تزويدها بمنتجات تركية وسورية، حيث يكافح الموردون للوصول إلى الدولار الأمريكي.

على الرغم من التربة الغنية والمناخ المتوسطي المناسب، تَسَبَّبَت عقود من سوء إدارة الشؤون الاقتصادية في الاستخدام غير الفعال للأراضي الصالحة للزراعة. تشير تقارير ملف البلد من منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة إلى أن الأراضي المزروعة تمثل أقل من 25 في المئة من المساحة الكلية للبلاد. كما أن ملكية الأراضي غير متكافئة ومجزأة بشكل كبير. يَعاني القطاع الزراعي نفسه من ضعف الوصول المالي، جزئياً نتيجة الأزمة المالية وأيضاً بسبب عمليات الإنتاج غير المتقدمة. بالإضافة إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج، فإن ذلك يؤدي إلى ضعف القدرة التنافسية للمنتجات اللبنانية.

 

الوصول إلى الغذاء

أثبتت العديد من التقارير الدولية تأثير الأزمة الاقتصادية على الأمن الغذائي في لبنان. نشرت البنك الدولي مؤخراً نتائج تظهر معدل التضخم الغذائي في لبنان كأعلى ثاني معدل تضخم اسمي في أسعار الغذاء على مستوى العالم خلال الأشهر الثمانية الأولى من عام 2022. وقد تزامن ذلك مع تقرير من مؤسسة المعلومات الدولية، وهي شركة أبحاث واستشارات في بيروت، ورد فيه ارتفاع تكاليف المعيشة بنسبة 500 في المئة من بداية عام 2020 حتى نهاية أغسطس 2022، حيث ارتفعت أسعار السلع المستوردة بشكل يتجاوز ارتفاع سعر الصرف بين الليرة والدولار، وكذلك أسعار السلع المنتجة محلياً.

على مستوى اليومي، أجبرت تدهور الأمن الغذائي على تغيير العادات الغذائية المحلية وصحة المواطنين. في حديث مع المجلة، أوضحت مها حطيط، عضوة اللجنة العلمية الوطنية لسلامة الغذاء بوزارة الصحة العامة وأستاذة في الجامعة اللبنانية، أن أكثر من نصف سكان لبنان يعانون من ضعف التنوع الغذائي ويأكلون أقل من وجبتين في اليوم.

يتطلب الأمن الغذائي “توافر الغذاء، والوصول إلى الغذاء، والاستفادة الصحيحة من الغذاء، والاستقرار أو الثبات في هذه المكونات،” تقول. “التحدي الأكبر اليوم ليس في تأمين السلع الغذائية، بل في قدرة المواطنين على دفع ثمنها، خاصة بعد أن اقترب سعر صرف الدولار من 40,000 ليرة وانخفضت القوة الشرائية للمواطنين أكثر.” كما اشارت إلى أن الناس أُجبِروا على التخلي عن اللحوم والألبان منذ أن قفزت الأسعار، مما خلق ثغرات صحية محتملة ونقصاً في العناصر الغذائية الأساسية.

غالبًا ما يتخلى الناس عن وجبة الإفطار لتناول منقوشة أو ساندويتش فلافل في الغداء، وفي المساء يتناولون الحلويات لتحمل الجوع لليوم التالي،” تقول حطيط، قبل أن تضيف أن مثل هذا النظام الغذائي يمكن أن يضر بتطور الطفل العقلي والجسدي. وتؤكد أن جودة الغذاء تأثرت سلبًا بانهيار الاقتصاد في البلاد، بينما تفاقمت المعايير الضعيفة الكامنة: “التعبئة السيئة والحفظ غير الصحيح للأطعمة، وخاصة التبريد الجيد، تسببت في مشاكل في الجهاز الهضمي لبعض الأشخاص، بالإضافة إلى زيادة في معدلات التسمم وأعراضه مثل التقيؤ والإسهال.

على مدى الاثني عشر شهراً الماضية، سجلت زيادة في عدد حالات التسمم الغذائي على نطاق واسع في وسائل الإعلام المحلية، حيث أدت درجات الحرارة المرتفعة في الصيف وانقطاع التيار الكهربائي إلى التأثير على التبريد والنظافة الغذائية.

أما بالنسبة لما إذا كان التركيز على الحبوب كافياً كبديل عن العناصر الأخرى في النظام الغذائي، فإن حطيط تجيب: “يمكن الحصول على كميات كافية من البروتينات التي تُستهلَك عادة من الأسماك واللحوم البيضاء والحمراء إذا كانت الأغلبية العظمى من الأطباق مشتقة من المأكولات اللبنانية المتميزة بمزيج من المكونات، وخاصة الحبوب والخضروات. وأما الفيتامينات والمعادن والألياف، فهي جميعها متوفرة في الأطباق والحبوب اللبنانية، وبالتالي فإن التركيز عليها في النظام الغذائي هو أكثر فائدة للصحة البشرية دون أن يعني ذلك أن علينا التخلي الكامل عن اللحوم والدجاج والأسماك في نظامنا الغذائي.

دراسة حديثة أجرتها الجامعة الأمريكية في بيروت أظهرت أيضًا تغير طبيعة العادات الغذائية المحلية. حيث أن حوالي 91 في المئة من الأسر (من بين دراسة استقصائية تشمل 931 أسرة) اضطرت لتقليص كمية الأطعمة غير الأساسية التي تشتريها، وتخلى 33 في المئة من البالغين عن وجبات الطعام أكثر من مرة في الأسبوع.

الحاجة لاتخاذ إجراءات فورية

ربما أسوأ جزء من دورة انعدام الأمن الغذائي الحالية هو أنها كانت متوقعة. لعقود، حذرت المجتمع الدولي من أنه بدون استراتيجية حقيقية للأمن الغذائي والتغذوي طويلة الأجل، فإن أزمة الغذاء التالية في لبنان ستكون أعمق وأكثر ضررًا بشكل وجودي.

على الرغم من الطابع الملح للوضع، ما زالت الحكومة تكافح لتمرير خطة شاملة للتعافي الاقتصادي يمكن أن تخفف أجزاء من الأزمة. وقد أجبر هذا الشلل على تحفيز المجتمع المدني والشتات اللبناني الواسع لتلبية الحاجة المتزايدة بدن وطني. وقد ظهرت عدة منظمات قائمة على القواعد الشعبية، مثل ‘فود بليسيد’ و’مطبخ البلد’، مع آلاف المتطوعين الذين يقدمون حزم الطعام والوجبات الساخنة عبر البلاد. لكن هذا لا يزال حلاً طارئًا قصير المدى بشكل صارخ، ولا يتناول الأسباب الجذرية التي تقع في أيدي الحكومة.

في أغسطس، أعلنت الولايات المتحدة عن حزمة مساعدات إنسانية بقيمة 29.5 مليون دولار للبنان، والتي ستستهدف السكان الضعفاء في ضوء ارتفاع انعدام الأمن الغذائي. داخل الحزمة، سيوفر 14.5 مليون دولار دعماً للمزارعين من الخضروات والحبوب مع تزويدهم بالبذر والشتلات للمساعدة في الإنتاج الغذائي المحلي، وغيرها من المشاريع للمُنتجين المحليين.

لبنان لديه أعلى نسبة من الأراضي الفلاحية للفرد في العالم العربي، ومع ذلك يُهمل قطاعه الزراعي. ومع ذلك، فإن القطاع الزراعي وحده ليس علاجًا سحريًا. فقط تبني مجموعة أوسع من الإصلاحات الاقتصادية سيساعد في استعادة الثقة في البلاد وتعزيز الاستقرار المالي، مما يدفع المجتمع الدولي إلى تعزيز مساعدته. جوهريًا، سيساعد العالم لبنان عندما يساعد لبنان نفسه.

You may also like