تحاشد الأزمات في المنطقة يزيد الطين بلة. يشير الوضع في لبنان إلى إمكانية جدية لاستعادة سوريا نفوذها، مما يقدم ضربة للثقافة الرأسمالية في الشرق الأوسط بعد نهايات 2007 المخيبة. صار واضحاً أن المنطقة محاصرة بالعداء مما يجهض من تقدم العقول الحرة والأسواق، مما يجعل سنة 2008 تبدو وكأنها ستفاقم من توترات العام الماضي.
ضاع دفء عيد الميلاد في غياهب السلاسل المعقدة من ارتفاع أسعار النفط، مما يعزز من موقف إيران وروسيا وغيرها التي لها مصالح في انسحاب الولايات المتحدة من العراق وتخفيف قوتها في المنطقة. بغض النظر عن إيجابيات أو سلبيات هذه الطموحات، من المؤكد أن غضب واشنطن وإحباطها سيتصاعد، مما يجعل شكل من أشكال الصراع أكثر احتمالاً. وحيثما وجد الصراع، تتلاشى الحرية.
كما قال أحد المراقبين، في حين أن الأزمات في معظم أنحاء العالم تحل الأوضاع وتخلق فرصاً جديدة، إلا أنها في الشرق الأوسط تجعل الأمور أكثر سوءاً. تتماسك الصفائح التكتونية في المنطقة أكثر، مما يجعل النتيجة المرجحة زلزالاً جديداً كبيراً.
في كل مكان، على جانب واحد من الانقسام الإقليمي أو الآخر، يتم تجاهل مسألة الحرية. إذا كان الشرق الأوسط يواجه حرباً باردة جديدة، كما جادل كاتب العمود في نيويورك تايمز توماس فريدمان، فإن على أحد جانبي هذا الانقسام تجد إيران وسوريا وحزب الله وحماس؛ وعلى الجانب الآخر تجد الدول العربية ذات القيادة السنية، وخاصة السعودية ومصر والأردن، المدعومة من الولايات المتحدة. على الرغم من الاختلاف حول الكثير من الأشياء، فإن التأثير الصافي لكفاحهم المتدهور ونقطة اتفاق غير مذكورة بينهم هي أنه الآن ليس الوقت لتمكين الديمقراطيين أو حتى السماح للمجتمع المدني بإظهار حيوية جديدة.
على سبيل المثال، في إيران، حيث المجتمع يقدم أكبر فرصة لانطلاقة ليبرالية في المنطقة، إن احتمال وقوع حرب بين الولايات المتحدة وإيران لا يمكن إلا أن يكون خطيراً على الحرية. ليس فقط لأن معظم الإيرانيين ربما سيتجمعون حول دولتهم بغض النظر عن مدى قمعها، بل إن صراعاً سيمنح تلك الدولة وسائل أكبر للسيطرة على المجتمع.
في سوريا، موضوع الحرية لم يتم مناقشته بجدية حتى. الرئيس بشار الأسد خنق المجتمع المدني كما فعل والده، و”ربيع دمشق” القصير عبارة عن ذكرى بعيدة. يتدعم النظام بفضل تحسن الأوضاع الاقتصادية، بفضل أموال اللاجئين العراقيين، والاستثمارات العربية، والتمويل الإيراني. تبقى سوريا هشة، مع ذلك، حيث تنضب احتياطياتها من النفط والمزاج الاستثماري قد يتغير بسرعة. ولكن في الوقت الحالي، الأسد أقوى مما كان عليه منذ سنوات، وشعبه ممزق بين اللامبالاة تجاه نظام يبدو دائماً وكأنه لا يذهب إلى أي مكان وبين الخوف من ما قد يجلبه رحيل النظام. والأسوأ من ذلك، أن المجتمع الدولي يرفض خلق خيارات جديدة من خلال العمل على تقوية القوى الديمقراطية في سوريا. إنه يتقبل فكرة أنها إما الأسد أو الفوضى، وبهذا يقوي النظام.
في الواقع، أظهر الأسد إلى أي مدى هو مستعد للعودة إلى لبنان بطريقة أو بأخرى. فقد أثار السوريون، بالتنسيق مع حزب الله غير الديمقراطي، الفوضى في لبنان ليصبحوا المحاور الحتمي في مستقبل البلاد. عندما تواصلت فرنسا مؤخراً مع سوريا حول الانتخابات الرئاسية اللبنانية، بدا أن هذه الاستراتيجية ناجحة. تم فتح مساحة ليبرالية في لبنان في 2005. هل على وشك أن تُغلق مرة أخرى بسبب الحماقة الغربية؟
على الجانب الآخر، الحرية أيضاً تظل مجرد خيال واسع. الرئيس المصري، حسني مبارك، يركز على توريث السلطة، خصوصاً ضمان انتقالها إلى ابنه. لا يمكن أن تكون هناك ديمقراطية طالما أن الرؤية السائدة هي جعل الجمهورية ملكية. والنظام يضرب في كل الاتجاهات، حتى أن المدونين الشباب يلقون في السجن ويتعرضون للتعذيب. المملكة العربية السعودية ليست أفضل حالاً، حيث أن نظام المشاركة فيها مغلق بشكل كامن. الحرية المتاحة هناك تحدث خلف الأبواب المغلقة، والنظام يشعر بالقلق من صعود إيران وعراق قد يزعزع استقرار المملكة في أي لحظة.
يمكن للحديث أن يستمر. كان من المفترض أن يكون عام 2005 عام التغيير الديمقراطي الكبير في الشرق الأوسط. كان جزئياً كذلك؛ لكنه كان أيضاً الزناد الذي احتاجته الأنظمة الاستبدادية في المنطقة للتجمع حول نفسها والتأكد من خنق الحرية في مهدها. العقول الحرة تتلاشى في المنطقة، وليس من المتوقع أن يتغير ذلك قريباً.