مع الأزمة المالية الحالية والفجوة في العملات الأجنبية في مصرف لبنان، كان الطلب على تدقيق الدولة اللبنانية والمؤسسات المرتبطة بها مثل مصرف لبنان والوزارات والصناديق الإقليمية وغيرها، مطلباً رئيسياً للعديد من الأجندات الإصلاحية وبعض الأحزاب السياسية، بما في ذلك مؤخراً رئيس الجمهورية اللبنانية، فضلاً عن مختلف الدول الأجنبية والمؤسسات الدولية.
في الماضي، طلبت الحكومة اللبنانية مساعدة شركة الخدمات المالية كروول من أجل إجراء تدقيق جنائي لمصرف لبنان، قبل أن تؤدي الصعوبات إلى تعيين شركة ألفاريز آند مارسال، وهي شركة استشارات إعادة هيكلة مقرها نيويورك، لإجراء التدقيق المذكور. ومع ذلك، لم يقدم مصرف لبنان سوى حوالي 43٪ من الوثائق المطلوبة للشركة الأخيرة، بسبب القيود التي فرضها قانون السرية المصرفية لعام 1956، مما أدى إلى خلاف عام مع وزارة العدل.
التدقيق الجنائي مقابل التدقيق المالي
يتطلب هذا الطلب الرئيسي لتدقيق مصرف لبنان فهم الفروق بين التدقيق المالي “النموذجي” والتدقيق الجنائي. التدقيق المالي: بشكل عام، التدقيق المالي النموذجي هو تدقيق للبيانات المالية لشركة أو مؤسسة، يُجرى بواسطة محترفين، للتأكد من أن السجلات المالية تعكس بدقة الوضع المالي للمؤسسة. تُقدم الشركات عادةً تدقيقًا سنويًا للبيانات المالية: قائمتها المالية، بيان دخلها وبيان تدفقاتها النقدية. يُجرى هذا التدقيق إما بواسطة شركة تدقيق خارجية، أو فرق تدقيق داخلية. تمكن التدقيقات الخارجية من التأكد من صحة الوضع المالي للشركة، وتحديد أي أخطاء مالي في السجلات المالية. وعادة ما يصدر المدققون الخارجيون آراءً لتوفير الثقة لمستخدمي البيانات المالية بأن البيانات المالية دقيقة وكاملة. من ناحية أخرى، يتم توظيف المدققين الداخليين بواسطة الشركة أو المنظمة التي يجرون فيها التدقيق، ويتم تقديم تقرير التدقيق الناتج مباشرة
للإدارة ومجلس الإدارة. على عكس المدققين الخارجيين، يتبعون فقط معايير الشركة أثناء التدقيق، بينما يتبع المدققون الخارجيون مبادئ تُطبق عمومًا، مثل معايير التدقيق العامة المقبولة (GAAS).
التدقيق الجنائي: من ناحية أخرى، يشير التدقيق الجنائي إلى تدقيق تحقيقي حيث يسعى المحاسبون المتخصصون في المحاسبة والتحقيق إلى كشف المخالفات المالية، الأموال المفقودة والإهمال. في هذه الحالة، لا يهتم المدقق فقط بتقييم الوضع المالي للشركة أو المؤسسة، بل أيضًا بكشف الاحتيال. يتم تنفيذ هذا التدقيق عادةً خلال الإجراءات القضائية والمحاكمات، لتحديد مسؤولية الأطراف في حال حدثت معاملات غير قانونية. سوف
يسعى التدقيق الجنائي لكشف مثل هذه المعاملات بالتحقق مما إذا كانت معايير الامتثال قد طُبقت، ومن هم المستفيدون من هذه المعاملات. في الحالات التي كان فيها مصرف لبنان طرفًا في معاملات محددة مع طرف مقابل، فإن التدقيق الجنائي لن يحدد فقط تاريخ ومبلغ المعاملة، بل أيضًا ما إذا كانت تتفق مع القوانين، وما إذا تم تطبيق العناية الواجبة، وما إذا كانت تتفق مع قانون النقد والتسليف. أيضًا، سيحاول التدقيق الجنائي تحديد المستفيدين الرسميين و“الحقيقيين” من المعاملات، وما إذا كانت مثل هذه المعاملات انتهكت أي قوانين.
جدولة التدقيق
كان التدقيق الجنائي مطلبًا رئيسيًا من صندوق النقد الدولي والمبادرة الفرنسية
والمؤسسات الأجنبية، وأيضًا بعض الأحزاب السياسية اللبنانية. وقد طلبت أطراف أخرى، مثل تيار المستقبل
أن يتم تدقيق جميع الوزارات والمؤسسات العامة. بالإضافة إلى ذلك، كانت الحكومة قد استعانت سابقًا بشركة ألفاريز آند مارسال لإجراء تدقيق مالي. انسحبت الشركة في نوفمبر 2020، مدعية أنها لم تتلق المعلومات التي تحتاجها. في يوليو، استعانت الحكومة بشركة الخدمات المالية كروول، إلا أنها لم تحصل على الدعم السياسي اللازم لذلك. في 6 أبريل 2021، أصدر مصرف لبنان بيانًا يبرز فيه استعداده لمناقشة التدقيق الجنائي مع ألفاريز آند مارسال، بعد قرار البرلمان رفع السرية المصرفية لمدة عام. بحلول أواخر ديسمبر، قررت لبنان
التواصل مع ألفاريز آند مارسال مرة أخرى لإجراء تدقيق لمصرف لبنان.
حتى يونيو 2021، لا يوجد رؤية واضحة حول ما إذا كان هذا التدقيق الجنائي، أو أي تدقيق، سيحدث. في هذه المرحلة، يُعتبر التدقيق الجنائي ضروريًا للغاية، لأنه سيسمح ليس فقط بإعداد ميزانية شفافة وواضحة لمصرف لبنان، لتقييم أصوله وخصومه، بل أيضًا لتحديد ما إذا كان هناك أي ممارسات فساد و/أو إهمال، ومن هم المستفيدون منها، مما يؤمل أن يؤدي إلى بعض المحاسبة. يُعتبر هذا التدقيق أيضًا شرطًا مسبقًا لأي مساعدة مالية من المؤسسات الدولية، بما في ذلك “المبادرة الفرنسية”، مع العلم بأن مثل هذه المساعدة تزداد الحاجة إليها في ضوء الأزمة الاقتصادية الحادة التي لا يزال لبنان يعاني منها.