في حين أن لبنان يسعى لجذب تدفقات كبيرة من الاستثمار الأجنبي المباشر من أجل تحفيز النمو الاقتصادي، فإن الترويج للاستثمار الأجنبي المباشر ما زال متخلفًا. يواجه لبنان مشكلتين رئيسيتين في التسويق الاستراتيجي: بيان موقف غير واضح، واستراتيجية ترويج غير فعالة.
من السهل جداً على القادة السياسيين في لبنان إلقاء اللوم على عدم الاستقرار الإقليمي في عدم قدرتهم على جذب الاستثمار الأجنبي المباشر، إلا أن هناك أدلة قليلة على التفكير المطلوب على مستوى حكومي حول كيفية وضع البلاد كوجهة جذابة بأرض خصبة للاستثمارات. حتى يومنا هذا، تبقى الأسئلة الاستراتيجية المهمة دون إجابة. وتتضمن هذه الأسئلة: هل يأمل لبنان في أن يصبح بلدًا مضيفًا يقدّم أكثر سياسات جذب الاستثمار الأجنبي المباشر استقرارًا في الشرق الأوسط؟ هل سيكون لبنان بلدًا يمكن فيه للمستثمرين تحقيق أعلى هامش ربح في المنطقة؟ هل يحاول لبنان أن يكون قائدًا عالميًا في الابتكار الرقمي؟ هل يخطط لبنان ليكون أكثر وجهة سياحية شهرة في المنطقة؟ ما هي القيمة الفريدة التي يوفرها لبنان للمستثمرين الأجانب؟ يجب على الحكومة وضع خطة استراتيجية للموقع التنافسي، بما في ذلك فهم مفصل للبنان وموقعة النسبي تجاه المنافسين والقطاعات المختلفة.
الاتصالات غير الفعالة هي مشكلة تسويقية أخرى يواجهها لبنان حاليًا. يسمع المستثمرون الأجانب المحتملون رسائل متضاربة من مختلف الجهات المعنية في الدولة. تميل الوفود اللبنانية لتقديم أوصاف عامة للاقتصاد اللبناني، مع توفير القليل مما يريده حقًا مؤسسات الاستثمار الأجنبي المباشر المحتملة. يحتاج المستثمرون الأجانب إلى معلومات أكثر تحديدًا حول كيفية بدء عمل تجاري في لبنان، وما هي الحوافز التي تقدمها الحكومة، وكيف يمكن للحكومة المساعدة ودعمهم، وهكذا. علاوة على ذلك، نادرًا ما تقدم الوفود اللبنانية مقارنة دولية للبنان مع الدول المجاورة. يعتقد المندوبون اللبنانيون أن تقديم ملف الدولة اللبنانية، وسياسة الاستثمار، والإمكانات الاقتصادية، سيكون كافيًا لإقناع المستثمرين الأجانب.
التسويق هو محور ترويج الاستثمار وضروري في جذب الاستثمار الداخلي وتشكيل الانطباعات العامة للمستثمرين الأجانب عن لبنان. بينما تشير الأدلة إلى أن التسويق فعال في بناء الصورة وإنتاج الاستثمار (راجع تحديث أنثوني بندي نابندي لعام 2017 لكتابه “العولمة والاستثمار الأجنبي المباشر والتكامل الإقليمي والتنمية المستدامة”)، لا تزال هناك دائمًا أسئلة حول اللوائح والحوافز والبنية التحتية والنظام الاقتصادي والرؤية. بعض المؤشرات مفيدة لتقييم وضعنا. للبدء، هناك مؤشر سهولة ممارسة الأعمال، الذي يقيم البلدان مقابل بعضها البعض بناءً على مدى ملائمة بيئتها التنظيمية لعمليات الأعمال التجارية. يتم تصنيف لبنان في المرتبة 142 من بين 190 اقتصادًا، نتيجة للاستخدام الإجباري للخدمات القانونية في عملية تسجيل الشركات، والعبء المالي لبدء الأعمال، واستخدام خدمات كاتب العدل، والإجراءات المعقدة والطويلة والبيروقراطية اللازمة لبدء عمل تجاري. على الرغم من جميع هذه التحديات والعقبات، يمكن أن تظهر حلول جيدة لسهيل بدء الأعمال، مثل إنشاء محطات خدمة موحدة وتبسيط عمليات التسجيل، وتطوير واجهة إلكترونية واحدة للمستثمرين، وإلغاء متطلبات رأس المال المدفوع – وهي إصلاحات ضرورية قبل أي ترويج للاستثمار الأجنبي المباشر.
مؤشر التنافسية العالمية، الذي يجمع نتائج استبيان آراء المديرين وبيانات كمية لمقارنة تنافسية الاقتصاد، هو مؤشر آخر يحتاج لبنان أن يأخذه بعين الاعتبار. يتم تجميع ركائز هذا المؤشر لتقييم المؤسسات والسياسات والعوامل الأخرى. لبنان هو الدولة العربية الأدنى ترتيبًا في التنافسية العالمية. يتأخر أداء البلاد في معظم ركائز النمو على المدى الطويل عن العالم العربي. العوامل التي تشكل مشكلات رئيسية هي الفساد، وضعف البنية التحتية، والبيروقراطية العامة غير الفعالة. كل هذه العناصر تؤكد أن لبنان لا يضع نفسه كموقع بسهولة أو موثوق لجذب الاستثمار الأجنبي المباشر. لذا، يجب تطوير عقلية جديدة في الحكومة بناءً على قواعد وتقنيات محدثة. لا ينبغي أن يكون مناشدة الجالية اللبنانية عاطفيًا هو نهجنا الشامل الوحيد لزيادة الاستثمار الأجنبي المباشر. يجب أن تعرف الحكومة أن المستثمرين يحتاجون إلى بيئة استثمار ملائمة، وحوافز جيدة، وشفافية مؤسسية.
مؤشر مؤسسة التراث للحرية الاقتصادية مفيد أيضًا لتوجيه لبنان لتحسين اقتصاده من خلال توسيع الحرية الاقتصادية. يتم تصنيف لبنان حاليًا بـ 51.1 من أصل 100، مما يجعل اقتصاده في المرتبة 154 من حيث الحرية في العالم. واحد من العديد من العوامل التي تسبب هذا التصنيف المتواضع للحرية الاقتصادية هو الفساد المتفشي في عقود الحكومة، والضرائب، وأحكام القضاء، وتسجيل العقارات. لذلك، يمكن أن يكون مشروع شراكة بين القطاعين العام والخاص لتوفير منصة للشركات للاستثمار في إصلاح مكافحة الفساد مؤثرًا في تقليل الضرر الذي يسببه الفساد وتحسين الشفافية.
بيئة ملائمة للاستثمار الأجنبي المباشر “تهيئة الشروط” التي يشمل التيسير الذي يمكن أن تقدمه الحكومة للشركات المستثمرة، إلى جانب استراتيجية تسويق واضحة، هما شرطين أساسيين لجذب الاستثمار الأجنبي. خلاف ذلك، سنواصل إضاعة الفرص، وسنبقى نطلق النار على أنفسنا في القدم.