عندما تم تعييني وزير دولة للاستثمار والتكنولوجيا (MSIT) في فبراير 2019، كنت متحمساً لدعم القطاع الاقتصادي الأكثر وعداً وحيوية في لبنان. غالباً ما تُختصر التكنولوجيا لتعني “آيفون” أو “تطبيق”، ولكن يمكن أن تشير أيضاً إلى صاروخ، أو لقاح، أو سيارة بدون سائق، أو فراش ذكي. لقد ارتفعت التكنولوجيا، المضمّنة والمدفوعة من قبل اقتصاد المعرفة، بشكل كبير خلال المئة عام الماضية، مما يمكن المجتمعات من القفز عبر القطاعات. وهذا بالضبط ما يحتاجه لبنان. تواجه البلاد مشاكل ضخمة: فقر مستشري، أزمة اقتصادية، قضايا صحية وبيئية وتعليمية وبنية تحتية. نجاحنا وانتصارنا يعتمد على توسيع وتعزيز صعود اقتصاد المعرفة في لبنان.
ماذا ننتظر؟
نحن في أمس الحاجة إلى إعادة اختراع النموذج الاقتصادي اللبناني: للتركيز على القطاعات الإنتاجية وزيادة الإنتاج والتصدير. هذا الانهيار هو فرصة محورية للبنانيين، وخاصة للشباب، لاستخدام اقتصاد المعرفة لخلق واقع اقتصادي جديد.
اقتصاد المعرفة هو قطاع خفيف الأصول ومركّز على الموهبة والمهارات؛ فوائده تمتد عبر جميع القطاعات الاقتصادية الأخرى. لبنان لا يمتلك كمية هائلة من الموارد الطبيعية. قوتنا وأهم أصولنا هو رأس مالنا البشري: لبنان لديه مجموعة من القوى العاملة المتعلمة تعليماً عالياً ومتعددة اللغات والثقافات وريادية، بالإضافة إلى شبكة جاليات ناجحة عالمياً. في عام 2017-2018، تم تصنيف لبنان في المرتبة الرابعة في جودة التعليم في الرياضيات والعلوم في مؤشر التنافسية العالمية للمنتدى الاقتصادي العالمي. لذا فإن اقتصاد المعرفة هو بالضبط القطاع الإنتاجي الوحيد التي يمكننا أن نفتخر فيه بتميزنا العلمي التنافسي. مع رأس مالنا البشري، يمكننا ويجب علينا أن نسعى لنصبح قائد إقليمي، وأيضاً مركزاً مزدهراً للازدهار الاقتصادي.
لذلك، عندما انطلقت في رحلتي الوزارية، وضعت رؤية طموحة وخطة ملموسة لتنفيذ طريقنا نحو اقتصاد المعرفة.
ما هي الرؤية؟
رؤية وزارة الاستثمارات والتكنولوجيا هي قيادة التحول الرقمي لاقتصادنا، وتعزيز مساهمة اقتصاد المعرفة في الناتج المحلي الإجمالي وخلق فرص العمل، وتحويل لبنان إلى مركز إقليمي للتكنولوجيا والابتكار.
بفضل التكنولوجيا، يمكن لقدراتنا أن تقترب من طموحاتنا للمرة الأولى في التاريخ. تخيل لبناناً بمياه نظيفة، غذاء مغذي، سكن ميسور التكلفة، تعليم شخصي، رعاية طبية من الدرجة الأولى، وطاقة غير ملوثة. تخيل لبناناً بحكومة رقمية، ومعاملات إلكترونية، شفافية، كفاءة وبدون فساد. يمكن لاقتصاد المعرفة أن يساعدنا في مواجهة هذه التحديات بشكل مباشر.
ترجمة الإمكانات إلى واقع
هذا هو بالضبط الهدف من خطة العمل لوزارة الاستثمارات والتكنولوجيا، خريطة الطريق نحو التحول الرقميتم بناء الخطة نتيجة للمشاورات مع الأطراف الرئيسية في القطاعين الخاص والعام، وتم تصميمها بدعم من المؤسسات الدولية الكبرى، ولا سيما البنك الدولي. خطة العمل ذات تأثير كبير وقابلة للتنفيذ وملموسة، تجمع بين المبادرات القصيرة والطويلة المدى والمشاريع الاستراتيجية. خلق الوظائف والقيمة هي الأولوية الأولى.
لقد وضعنا الأهداف التالية لعام 2025:
- مضاعفة مساهمة قطاعات اقتصاد المعرفة في الناتج المحلي الإجمالي من 1.5 مليار دولار إلى 3 مليار دولار
- زيادة مساهمة صادرات اقتصاد المعرفة إلى 25 بالمئة من إجمالي الصادرات
- زيادة تمويل رأس المال الاستثماري السنوي إلى 190 مليون دولار سنوياً
- زيادة عدد المشروعات الناشئة من 50 إلى 200 سنوياً
تنقسم خطة العمل إلى مسارين. الأول يركز داخلياً على تحسين منظومة التكنولوجيا المحلية وخلق بيئة عمل محفزة وتنافسية في لبنان. الثاني يركز خارجياً على الأسواق العالمية، والإصلاحات والسياسات اللازمة لزيادة جاذبية الأعمال والاستثمار، وكيفية تعزيز الاستثمار والتجارة عبر الحدود. كجزء من الخطة، حددنا سبعة مجالات تركيز، “ركائز لبنان السبع لخريطة الطريق لتحقيق التحول الرقمي.” هذه هي المجالات التي نحتاج إلى التركيز عليها لتحرير الإمكانيات الكاملة لاقتصاد المعرفة.
ما هي الركائز السبع لخطة العمل؟
1. بيئة الأعمال: تم إعداد وإيداع “خطة إصلاح تسهيل الأعمال” في 40 نقطة عمل.
2. بيئة الاستثمار: معالجة فجوات التمويل في النظام البيئي، خاصة في مرحلة الفكرة المبكرة ومرحلة التوسع اللاحقة، من خلال إنشاء مخططات مطابقة للاستثمار بين القطاعين العام والخاص وإقامة مجموعة شاملة من الحوافز المالية لتحفيز الاستثمار.
3. البيئة التعليمية: سد الفجوات المعرفية بين المناهج الأكاديمية واحتياجات الصناعة والأعمال من خلال إطلاق برنامج وطني لـ “التدريب الرقمي والوعي”.
4. تحويل لبنان إلى مركز إقليمي لاقتصاد المعرفة: إطلاق حملة توعوية، إصلاح شامل للأعمال، وأجندة حوافز تهدف إلى جذب الشركات الدولية ورواد الأعمال إلى لبنان.
5. تعزيز الصادرات: استراتيجية لتعزيز وترويج صادرات الخدمات، مكملة بإصلاحات لزيادة التجارة الإلكترونية والمدفوعات الرقمية.
6. التنمية الإقليمية: لامركزية منظومة التكنولوجيا وتطوير “مناطق رقمية خاصة” موضوعية، مثل مركز طرابلس للمعرفة والابتكار، الجاهز للإطلاق. اقتصاد المعرفة هو عامل رئيسي للحد من التفاوتات الإقليمية وتعزيز خلق الوظائف والتنمية الاقتصادية في جميع المناطق اللبنانية.
7. البحث والابتكار: إطلاق إصلاح شامل لبرامج البحث والابتكار، وترقية أدواتنا التشريعية بشكل جذري لمرافقة وتحفيز الابتكار.
على الرغم من أننا لم نحصل على فرصة لتنفيذ خطة العمل لأن الحكومة استقالت في أكتوبر 2019، إلا أننا نجحنا في تمرير إصلاحات مهمة في صيف 2019 لتحفيز خلق فرص العمل وتوظيف العمالة الماهرة في قطاع التكنولوجيا.
لخطتنا الفضل في تقديم أساس خريطة طريق مفصلة ومنظمة وشاملة. الأمر الأهم هو أننا وضعنا اقتصاد المعرفة كأولوية استراتيجية للبنان ومهدنا الطريق للحكومة القادمة أو أي صانع قرار مستقبلي ليبدأ العمل فوراً.
كانت وزارة الاستثمارات والتكنولوجيا أول وزارة في لبنان مخصصة لاقتصاد المعرفة. كانت طموحنا تحويل وزارة الدولة إلى وزارة دائمة للاقتصاد الرقمي. لسوء الحظ، تخلت الحكومة اللاحقة عن التفويض وسقط قطاع اقتصاد المعرفة مرة أخرى ضمن الانقسامات الوزارية المتعددة، وكذلك خطط عمل وزارة الاستثمارات والتكنولوجيا.
ولكنني آمل أن يتحقق هذا الحلم يوماً ما. آمل أن يستمر الزخم الذي أطلقناه. آمل أن يبني لبنان اقتصاد المعرفة المطلوب والمستحق من قبل مواطنينا وشبابنا، وأن تدخل بلادنا بثبات الثورة الصناعية الرابعة.
الخاتمة
لا يمكنني إنكار مدى التحدي الذي واجهته عند العودة إلى لبنان بعد 31 عاماً في الخارج أعمل في البنوك والتمويل، والغوص مباشرة في المياه العاتية للقطاع العام اللبناني. كما لا يمكنني إنكار مدى الصعوبة التي واجهتها في تجاوز العديد من العواصف السياسية في الخلفية ومحاولة التقدم ضد خلفية من الأزمات الاقتصادية والمالية الحادة. تم تعييني في وزارة “ناشئة”، بدون موارد مخصصة، بدون تمويل، وبدون مشاريع قائمة، فقط مكتب ومكتب.
لكن أن أعطيت الفرصة لخدمة بلدي، حتى في أوقات كهذه الصعبة، كان شرفاً فريداً ودافعي الأوحد. سأكون ممتناً إلى الأبد لكل من وثق بي ودعمني خلال فترتي القصيرة. اللقاءات والتعاون مع العديد من العقول اللبنانية اللامعة، رواد الأعمال الناجحين، الشباب المتحمس، والنساء والرجال المجدّين والمصمّمين كانت كلها مصدر إلهام حقيقي، والسبب الذي يجعلني دائماً أمتلك إيماناً قوياً في إمكانيات بلادنا، لبنان.