لمدة 12 عامًا على التوالي، كان لبنان بدون ميزانية. هذا لا يعني أن الدولة لم تكن تجمع الإيرادات وتنفقها. بل يعني أنه لم تكن هناك أولويات واضحة ولا رؤية استراتيجية توجه كيفية إدارة الحكومة للضرائب والإنفاق. خلال السنوات الخمس الماضية، كانت مشكلة العثور على إيرادات لتمويل زيادة أجور القطاع العام المشكلة الوحيدة التي نوقشت في “نقاش” الميزانية. بينما من الحكمة المالية النظر في كيفية تعويض الزيادة في الإنفاق بزيادة الإيرادات، فإن التركيز المفرط على هذه المشكلة الوحيدة لديه رؤية ضيقة، ولا يقربنا من سياسة مالية صحيحة تفيد الاقتصاد الأوسع.
حقيقة أن ثلاث حكومات منفصلة قضت خمس سنوات في التفكر بكيفية رفع الضرائب يشير إلى أن السياسة المالية لمشرعينا تقتصر على تأكد على تلبية الحد الأدنى من الاحتياجات الإنفاق الحكومية. استمرار فشل الدولة في توفير الخدمات الأساسية دون انقطاع يثبت أننا لا نملك سياسة مالية تركز على تلبية احتياجات الشعب. يجب أن يتغير ذلك أولاً وقبل كل شيء. لن يكون التغيير سهلاً، ولكن هناك بعض الإجراءات الواضحة التي يمكن اتخاذها فوراً.
بالتوازي مع فرض ضرائب جديدة، يجب أن تبدأ الدولة بالتحصيل الكامل للضرائب الموجودة بالفعل في السجلات. يقدر صندوق النقد الدولي أن لبنان يتلقى فقط حوالي 50 في المائة من الإيرادات من الضرائب الحالية. لن يتغير هذا بين ليلة وضحاها، ولكن معالجة هذا النقص يجب أن تكون أولوية فورية. لأن الحديث عن مالية الدولة يتم وراء الأبواب المغلقة، من الصعب تقديم توصيات دقيقة حول كيفية تحسين تحصيل الضرائب، لكن أفضل الممارسات العالمية يمكنها بالتأكيد توجيهنا. تشير الدراسات حول اقتصاد الولايات المتحدة إلى أن كل دولار يُستثمر في مصلحة الضرائب الوطني يجلب 4 دولارات (ربما أكثر) في الإيرادات الضريبية. رفع استراتيجي لتجميد توظيف الموظفين المدنيين سيكون خطوة أولى جيدة نحو تحسين التحصيل.
إلى جانب تحسين التحصيل يأتي الحاجة لتقليل الهدر. وزارة المالية أوشكت على إنهاء إقفال الحسابات الحكومية من الأعوام العشرين الماضية (أي، جمع الليرة بالليرة لمعرفة أين ذهب المال الحكومي، بقدر المستطاع من الوثائق المتاحة). في مقابلة عام 2015، قال المدير العام للوزارة لمجلة تنفيذي إنه تم العثور على “انحرافات”. يعني ذلك أن المال اختفى ويفترض أنه سُرق. الجميع في هذا البلد يعلم أن الفساد يمثل مشكلة خطيرة. شريطة أن يقوم البرلمان بنشر تفاصيل الحسابات النهائية، نقترب من خارطة طريق توضح كم الإيرادات التي فُقدت خلال العقدين الماضيين ومن أين اختفت. ربما من غير الواقعي توقع استرداد الدولة لهذه الأموال، ولكن من المؤكد أن هذه العملية قدمت مؤشرات واضحة حول كيفية منع سرقات المستقبل. إذا كان هدف الحكومة في إعداد الميزانية هو ببساطة تلبية احتياجات إنفاقها، فإننا، الذين ندفع لها، يجب أن نكون واثقين من أننا لا نتعرض للسرقة.
بناء تلك الثقة يتطلب مناقشات ميزانية أكثر تفصيلاً وعلنية. نحن نطالب بميزانية تعطي الأولوية لتنشيط الاقتصاد وتحسين التوزيع الداخلي للثروة. الخيارات حول كيفية تحقيق هذه الأهداف متنوعة ويجب أن يتم اختيارها بناءً على نقاش وطني قوي، وليس بقرارات من وزير المالية أو البرلمان أو مجلس الوزراء بعد اجتماعات مغلقة. تمرير ميزانية تعود بالنفع بالفعل على البلد وشعبه، بدلاً من فرض ضرائب جديدة لتلبية حاجة فورية والحفاظ على الوضع القائم، يتطلب معايرة دقيقة واتصالاً واضحاً. يجب أن تكون مناقشات الميزانية لدينا علنية، مفصلة ومصممة للمستقبل. الموظفون المدنيون بالتأكيد يستحقون زيادة، ولكن الأمة أيضاً تستحق سياسة مالية عادلة واستراتيجية.