لقد أدى أزمة القمامة الأخيرة إلى كشف العديد من المشاكل الموجودة في نظامنا السياسي. من بين هذه المشاكل فشل الحكومة ليس فقط في تقديم خدمة أساسية مثل جمع النفايات بشكل صحيح، بل في اتخاذ قرار حول كيفية تقديم هذه الخدمة من خلال عملية شفافة وتعاونية. بعبارة أخرى، المشكلة ليست فقط في النتيجة بل في العملية نفسها، وهي مفتاح لتحديد تقديم الخدمة الجيدة والفعالة. غالبًا ما تكون عملية اتخاذ القرار كلما كانت أكثر شفافية ومساءلة وشمولًا، كانت الخدمة أفضل من حيث السعر والجودة. كلما قلت شفافية عملية اتخاذ القرار، كانت النتيجة أسوأ.
مع فشل الحكومة في توفير خدمات جمع النفايات، التي تعتبر عمومًا عملية بسيطة إلى حد ما—فإن المرء يمكنه فقط أن يتساءل كيف ستكون قادرة على إدارة قطاع معقد مثل النفط والغاز، الذي يضم أصحاب مصالح مختلفين في مراحل مختلفة من سلسلة القيمة.
مخاوف الفساد
على الرغم من دخول لبنان متأخرًا في حوض شرق البحر الأبيض المتوسط، إلا أنه تقدم بشكل سريع نسبيًا في العملية. أقر البرلمان قانون النفط البحري في عام 2010 وأسس هيئة إدارة قطاع البترول اللبنانية (LPA)، التي أعدت المراسيم المتعلقة بالمناقصات، لتجد نفسها محبوسة في مستنقع اتخاذ القرار اللبناني.
فشلت هيئة إدارة قطاع البترول، التي يعكس أعضاؤها التمثيل الطائفي للبلاد، حيث يتناوب الرئاسة لمدة سنة لكل من أعضائها الستة، في تهدئة مخاوف النخب السياسية من فقدان النفوذ على القطاع. في أبريل 2014، أنشأت الحكومة لجنة وزارية لتقديم المشورة للحكومة حول كيفية التقدم في قطاع النفط والغاز، مما أدى إلى تكرار دور هيئة إدارة قطاع البترول. إذا كان عمل اللجنة يهدف إلى ضمان أداء الهيئة بشكل جيد، يثار التساؤل عن سبب اجتماعهم مرتين فقط ولماذا أبقوا العملية مغلقة أمام الجمهور، مما زاد من المخاوف بدلاً من تخفيف مخاوف الجمهور من الفساد.
علاوة على ذلك، لا تكمن المشكلة فقط في الجهاز التنفيذي. البرلمان الغير شرعي فشل أيضًا في القيام بدوره في مساءلة الحكومة عن موقفها من تطوير القطاع. في الواقع، أظهر بعض النواب قلة اهتمام ومعرفة بالقطاع. وهذا مدعاة للقلق لأنهم ينبغي أن يكون لهم دور رئيسي في إنشاء القطاع وضمان إدارته بشكل صحيح.
تغيير في التركيب
البعض جادل بأن القطاع سيبقى مشلولًا في غياب رئيس وحكومة جديدة. للأسف، هذا التفكير معيب. تشكيل حكومة جديدة وأداء اليمين الدستورية للرئيس سيعطي مجرد تصور بالوضع الطبيعي في بلد حيث هذه الأحوال تؤدي عمومًا إلى التواطؤ بين النخبة السياسية على حساب رفاه المواطنين.
[pullquote]بعض النواب أبدوا قليلًا من الاهتمام بـ وعرفة حول القطاع.[/pullquote]
ما يحتاجه لبنان هو هيكل حكومي مختلف حيث تعمل المؤسسات الحكومية بالفعل بشكل شفاف، شامل، ومساءل. التحدي الذي نواجهه يتجاوز هيئة إدارة البترول. نحن بحاجة إلى حكومة مسؤولة قادرة على وضع سياسة بترولية قيد التنفيذ ومناقشتها بين عامة الشعب. نحتاج إلى معالجة المرسومين المتراكمان. وبنفس الأهمية، نحن بحاجة إلى إطلاق عملية تشاور واسعة للوصول إلى توافق حول كيفية إدارة مواردنا الطبيعية. نحن بحاجة إلى برلمان يهتم بالسؤال عن موقف الجهاز التنفيذي ولماذا تأخر التقدم في القطاع. نحن بحاجة إلى وكالات رقابية مجهزة للتعامل مع قطاع معقد للغاية يشمل شركات النفط الدولية، التي قد تهيمن مواردها وقدراتها على مؤسسات البلاد. نحن بحاجة إلى قضاء مستعد لتطبيق العقود بشكل صحيح التي تشمل شركات الخدمات أيضًا. نحن بحاجة إلى هيئة إدارة البترول لتقنين عملية التشاور مع الجمهور الأوسع وكذلك نشر قراراتها التي تُرسل إلى الحكومة.
في هذه الأثناء، يحتاج المركز اللبناني للدراسات السياسية، بوصفه مركز فكر وجزء من المجتمع المدني، أن يكون مستعدًا للمشاركة في العملية، وإعلام الجمهور، ومراقبة الحكومة. نحن، جنبًا إلى جنب مع منظمات المجتمع المدني الأخرى، يجب أن نخلق ضغطًا كافيًا لضمان محاسبة الحكومة، وأن تكون عملية المناقصة شفافة، وأن تُفصح عن العقود بشكل كافٍ.
انخفاض أسعار النفط إلى النصف، مما يجعل استخراج المياه العميقة أقل ربحية، قد يوفر للبنان فرصة لتأجيل تطوير القطاع وإعادة النظر في هيكله الحكومي. السؤال الكبير هو: هل ستتمتع النخبة السياسية بالحكمة لإعادة هيكلة المؤسسات لتصبح أكثر فاعلية أم ستستمر في تقويض المؤسسات حتى تتمكن النخبة من محاولة الاستفادة من الفوضى التي تخلقها؟ إذا كان الاحتمال الأخير أكثر ترجيحًا من الأول، فعلينا أن نكون على دراية كبيرة بالمخاطر التي تواجهنا ونستعد لمواجهة تسونامي النفط الذي قد يدفننا جميعًا.