Home الاقتصاد والسياسة:عالقون في شبكة الأمان الاجتماعي

:عالقون في شبكة الأمان الاجتماعي
ARENFR

عبء تعويضات نهاية الخدمة في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي

by Jamile youssef

تحوّل نظام تعويض نهاية الخدمة في لبنان لطالما اعتبر إحدى ركائز حماية العمّال إلى إحدى أكثر تركات الانهيار الاقتصادي في البلاد إلحاحاً وإثارة للجدل. صُمِّم هذا النظام من أجل أن يمنح الموظّفين مبلغًا مقطوعًا عند التقاعد يساوي راتبهم الأخير مضروبًا بعدد سنوات الخدمة غير أنّ هذا النظام بات اليوم على شفير الانهيار. ومع خسارة الليرة اللبنانية أكثر من 98 في المئة من قيمتها، انخفضت قيمة المساهمات المتراكمة على مدى عقود إلى ربعها. وبات يُنتظر من أصحاب العمل سدّ العجز الهائل ما يهدّد بقاء المؤسسات الملتزمة ويثير تساؤلات حول مستقبل الحماية الاجتماعية في لبنان.

صندوق مستنزف التمويل

دمّر انهيار عامي 2019–2020 منظومة الحماية الاجتماعية. فالمساهمات التي كادت تشكّل دورًا مهمًا قد تضاءلت كليًّا تقريبًا. فبحسب كبيرة الاقتصاديين في معهد باسل فليحان المالي والاقتصادي سابين حاتم (IOF): “فقدت مساهمة الموظفين المتراكمة لمرحلة التقاعد قيمتها. فعلى سبيل المثال، مساهمة سابقة قدرها 100,000 ليرة لبنانية أمست اليوم تساوي 2,000 ليرة.”

وفي هذا الإطار، عبّر فريق الحماية الاجتماعية في منظمة العمل الدولية (ILO)عن قلقه في ردٍّ خطّي قدّمه إلى Executive: «تلقّوا العمال الذين سحبوا تعويضاتهم في وقتٍ مبكر من الأزمة منافع لا تتناسب بصورة عادلة مع مساهماتهم الممتدّة طوال مسيرتهم المهنيّة. يعيق هذا التراجع الحاد في القيمة الحقيقيّة الغاية الأساسية من تعويض نهاية الخدمة أي تأمين دخلٍ في عمر الشيخوخة». ويسلّط الفريق الضوء أيضًا على أنّ انهيار العملة قضى على أصول الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي إذ أنّ معظم هذه الأصول كانت في الليرة اللبنانية في هيئة سندات خزينة وودائع محلية. وبعد تخلّف الدولة عن سداد سندات اليوروبوند Eurobonds، باتت قيمتها اليوم تقارب 20 في المئة من قيمتها الاسمية. أمّا الودائع في الدولار الأمريكي، فعلى الرغم من حمايتها بقانونٍ، فهي لا تزال محجوزة بفعل القيود المصرفية وغير متاحة بالكامل.

في هذا الإطار، تعتبر الدولة متخلّفة دائمًا. فبحكم القانون، يجب على الحكومة أن تسدّد مساهمات الضمان عن موظّفي القطاع العام، غير أنّ المتأخرات تراكمت عبر سنوات وانهارت قيمتها الحقيقية اليوم. ووفق تقرير للبنك الدولي صدر في العام 2020 بعنوان «مراجعة المالية العامة في لبنان: تمويل بونزي؟»، بلغت متأخرات الحكومة للصندوق الوطني نحو 8,000 مليار ليرة لبنانية مع حلول العام 2019 (ما يعادل 5.3 مليار دولار في السعر الرسمي السابق للأزمة). واليوم، حتى لو بادرت الدولة إلى السداد، فإنّ القيمة الحقيقية لهذه الديون تبخّرت عمليًا.

معاقبة الملتزمين؟

قلب انهيار الليرة اللبنانية نظامَ تعويض نهاية الخدمة رأساً على عقب، وخلّف أثراً هائلاً على أصحاب العمل. فالمؤسسات التي قد حرصت على التصريح السليم عن الرواتب تجد نفسها اليوم تكابد لتغطية فجوات ضخمة في التعويضات.

صندوق نصي

فيما يلي مثال مبسّط يستخدم القواعد الأساسية لتوضيح ما يحدث مع تعويضات نهاية الخدمة في لبنان. علمًا أنّ للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي معادلته المفصّلة الخاصة.

قبل الأزمة، كان الموظف الذي يتقاضى 800 دولار شهرياً يُصرَّح عنه رسمياً بقيمة 1,200,000 ليرة لبنانية على أساس سعر الصرف الثابت حينها البالغ 1,507.5 ليرة للدولار الواحد. وكان صاحب العمل يدفع مساهمة شهرية للصندوق الوطني بنسبة 8.5 في المئة، أي ما يعادل 102,000 ليرة لبنانية.

اليوم، ينبغي التصريح عن الراتب نفسه وفق السعر الجديد البالغ 89,500 ليرة. وهذا يعني أنّ الراتب الشهري يُسجَّل بقيمة 71.6 مليون ليرة لبنانية.

في حال عمل الموظف 20 سنة، يُحتسَب تعويض نهاية خدمته كالآتي: 71.6 مليون ليرة × 20 سنة = 1,432 مليون ليرة لبنانية.

لكن كل المساهمات السابقة على أساس السعر القديم باتت شبه معدومة. فإذا كان الموظف قد عمل 15 سنة قبل الأزمة، تمسي المساهمات عن 15 سنة: 102,000 ليرة × 15 سنة = 1,530,000 ليرة لبنانية فقط.

ويُجبر أصحاب العمل على تغطية فجوة الالتزامات  كاملة والتي في هذه الحالة تساوي 1,432 مليوناً – 1.53 مليون ليرة.

كان الأثر على القطاع الخاص الرسمي في لبنان بالغاً. فأصحاب العمل الذين واظبوا على التصريح عن الرواتب وسداد المساهمات يجدون أنفسهم اليوم في موقع مَن يغطّي فجوات هائلة. والمفارقة أنّ منظمات غير حكومية عدّة أفادتExecutive  بأنّها تشعر بتهديدٍ يتمثّل في أعباء ماليّة مستحيلة، نتيجة التزامها بالعدالة الاجتماعية. فالمنظمات غير الحكومية، وهي داعم رئيسي للدعم الاجتماعي وللفرص الوظيفية، ولا سيما خلال السنوات الخمس الماضية، لطالما وظّفت موظّفين محليين وصرّحت عن رواتبهم وسدّدت المساهمات عنهم بشكلٍ منتظم. خلافًا للشركات الخاصة، لا تولّد هذه المنظمات أرباحًا ولا يمكنها إعادة تخصيص التمويل المانح لتغطية الالتزامات. يقول الممثل القطري لمنظمة خدمات الإغاثة الكاثوليكية وعضو اللجنة التوجيهية لـ«منتدى المنظمات الإنسانية الدولية في لبنان ((LHIF سيدريك شقير: “ليس من الأخلاقي أن نستخدم التبرعات المخصّصة للأشدّ ضعفاً ولجهود التعافي وإعادة الإعمار من أجل سداد التزامات نهاية الخدمة التي كنّا قد ساهمنا فيها أصلاً». وقد شارك المنتدى الذي يشكّل هيئة تنسيق مستقلة غير رسمية تضم 73 منظمة دولية تعمل على تلبية احتياجات الأفراد والأسر والمجتمعات الضعيفة في أنحاء لبنان بياناً مع Executive حول هشاشة العمل الإنساني في البلاد في ضوء أعباء نهاية الخدمة الجديدة والانخفاض الكبير في التمويل الخارجي. ومع قوامٍ وظيفي يبلغ 4,000 موظف، 88 في المئة منهم من اللبنانيين، يحذّر المنتدى من أنّ كثيراً بات على المحكّ بالنسبة إلى العاملين كما إلى من يخدمونهم.

ويشرح شقير أنّ أصحاب العمل الذين سددوا المساهمات بأمانة طوال حياة الموظف المهنية يُفرَض عليهم اليوم تحمّل كلفة خسائر سعر الصرف بأثرٍ رجعي. ويستذكر حالة بلغت فيها تعويضات نهاية الخدمة لموظف واحد 180,000 دولار. ويقول: «ليست المسألة مسألة ثلاث سنوات، نحن ندفع عن عشرين عاماً»، موضحًا أنّ النظام الجديد يدفع الشركات إلى «الدفع مرّتَين». وعلى النقيض من الكيانات التي تخفّض التصريح عن الرواتب أو تتجنب السداد، يقع العبء الأكبر على كاهل الملتزمين بالقانون. يضيف شقير: «نحن نصرّح عن الرواتب كاملة. نحن ممتثلون تماماً. وعلى الرغم من ذلك، نحن الأكثر عرضةً للعقاب.” وتحذّر مؤسسات كثيرة من إمكان الإقفال إن لم يُعثر على حلّ، وقد لجأ بعضها بالفعل إلى المسار القضائي.

ويقدّر فريق الحماية الاجتماعية في منظمة العمل الدولية أنّ حصة أصحاب العمل من تسويات نهاية الخدمة كانت، قبل الأزمة، في متوسط يقارب 20 في المئة من المستحقات. أمّا اليوم فقد ارتفعت النسبة إلى أكثر من 90 في المئة. وبات يُطلب من أصحاب العمل إجراء مدفوعات مقطوعة كبيرة للصندوق الوطني ضمن سنةٍ مالية واحدة، ما يضغط على كمّ السيولة النفدية وميزانيات التشغيل.

الموظفون مُجحَفون

بالنسبة إلى كثير من العمال، أمسى تعويض نهاية الخدمة مصدر إحباطٍ بدلًا من أن يكون مصدر أمان. يحذّر فريق الحماية الاجتماعية لدى منظمة العمل الدولية من أنّ «القيم الحالية لتعويضات نهاية الخدمة غير كافية لدعم حياة كريمة للمتقاعدين. لقد فقدت المساهمات المتراكمة قيمتها الحقيقية تقريباً بالكامل.”

وفي القطاع العام، المشكلة أكثر حدّة. فبعد الانهيار، مُنح الموظفون بدلات جديدة للإنتاجية والمواظبة، غير أنّ هذه البدلات لم تُدمج قط مع الرواتب الأساسية الرسمية. ونتيجةً لذلك، تُحتسَب التعويضات على أرقامٍ قديمة. تقول حاتم: «على الرغم من أنّ البدلات زادت بصورة ملموسة الدخل الحقيقي لموظفي القطاع العام، لا تزال الدولة تصرّح عن الراتب الأساسي القديم المنخفض جدًا. وبما أنّ البدلات ليست جزءًا من الراتب الأساسي، فإنّ تعويض نهاية الخدمة المحتسَب يبقى ضئيلًا. على الرغم من تقاضي العاملين الفعلي مبلغًا أكبر فهذا بفضل تلك البدلات». وتزداد وطأة الأمر لأنّ الرواتب الأساسية في القطاع العام لم تُعدَّل تبعًا للتضخم ما يجعل التعويضات لا تغطي في أفضل الأحوال سوى نفقة شهرٍ واحدٍ.

لا تنحصر المشكلة في القطاع العام. ففي القطاع الخاص، شكّل خفض التصريح عن الرواتب منذ زمنٍ أداةً لتقليص المساهمات، ما ترك العمال أمام تسوياتٍ لتعويض نهاية الخدمة تعكس أرقامًا قديمة لا مداخيلهم الفعلية. كما حرم ذلك الصندوق الوطني من موارد هو بأمسّ الحاجة إليها.

الإصلاح على الورق: القانون رقم 319

في كانون الأول/ديسمبر 2023، أقرّ مجلس النواب القانون 319، وهو إصلاح طال انتظاره يهدف إلى تحويل نظام تعويض نهاية الخدمة المتقادِم في لبنان إلى نموذج معاشٍ شهري عصري مُفهرس مع  التضخم، بما يتماشى مع معايير الضمان الاجتماعي الدولية. يقدّم القانون معاشاتٍ شهرية بدلًا من الدفعات المقطوعة لمرة واحدة، وحسابات فردية للموظفين ومجلس إدارة أصغر للصندوق الوطني وهيكلية تسمح باستثمار المساهمات لضمان الاستدامة المالية.

ويوضّح فريق الحماية الاجتماعية في منظّمة العمل الدولية أنّ القانون الجديد يبتكر نموذجًا تقاعديًا هجينًا. فهو يجمع بين عنصر المساهمة النظرية المحددة حيث تقيّد الحسابات الفردية سنويًا على أساس متوسط نمو الأجور وعنصر يضمن حدًّا أدنى للمعاش. وعند التقاعد، لا يُدفَع الرصيد الاعتباري كمبلغٍ واحد مقطوعٍ بل يُحوَّل إلى معاشٍ شهري يأخذ في عين الاعتبار متوسّط العمر المتوقّع وتعديلات عاى الكلفة المعيشة ومنافع الورثة.

نظريًا، يُعدّ هذا النظام أكثر مرونةً وقدرةً على الصمود. وتقول حاتم: «إنّ الانتقال من الدفعات واحدة مقطوعة إلى معاشاتٍ شهرية مُفهرسة يحمي القيمة الفعلية لما يتلقّاه المتقاعدين». ويُحاكي تقريرٌ لمنظمة العمل الدولية صادر في العام 2024 أنّ بعد فترة تتراوح بين سنتين وسبع سنوات، تبعًا للأجر وعدد سنوات الخدمة، ستتجاوز المدفوعات التراكمية للمعاش البديلَ القائم على المبلغ المقطوع.

غير أنّ الإصلاح ليس بمنأى عن الجدل. إذ يواجه أصحاب العمل زيادةً حادّة في نسب المساهمة تتراوح اليوم بين 8.5 في المئة و17 أو 18 في المئة. ويحذّر إبراهيم مهنّا، من «مهنّا وشركاه» للاستشارات الاكتوارية، من أنّ «هذه الأعباء المالية الرجعية ثقيلة جدًا. فإذا كانت نسبة المساهمة مرتفعة للغاية، سيتوقف أصحاب العمل عن التصريح عن جميع الموظفين، أو سيلجؤون إلى عقود عمل بدل التوظيف الدائم»، متوقعًا أن تدفع هذه المعدلات المرتفعة الأعمالَ إلى مزيدٍ من الاقتصاد غير الرسمي. «هو قانونً جيدً للعامل؛ أقربُ إلى نظام الرعاية الاجتماعية من الضمان الاجتماعي، لكنه شديدُ الإجحاف بحقّ صاحب العمل». وينتقد المهنّا أيضًا نهج «مقاس واحد يلائم الجميع» في القانون: «يتعامل كأنّ جميع أصحاب العمل متشابهون فيما لا يعمل فندق ومصرف ومدرسة على الدورة الاقتصادية عينها.”

وتشدد حاتم على أنّ على الحكومة، أولاً وقبل كل شيء، أن تنظر إلى نفسها كربّ عمل وأن تخطّط تبعاً لذلك: «على الدولة أن تسأل: كم سيكلّفنا إقرار هذا القانون؟ إذا كنا نحتاج إلى حلٍّ قابلٍ للتحمّل، فعلينا السير في حلٍّ قابلٍ للتحمّل. وإذا لم نستطع دفع رواتب هذا العدد من الموظفين، فربما لا ينبغي أن يكون لدينا هذا العدد في القطاع العام.”

المسار الإصلاحي

قد يشكّل إقرار القانون 319 نقطةَ تحوّلٍ في نظام الحماية الاجتماعية في لبنان لكن ذلك مرهون بتنفيذٍ عادلٍ وشفّافٍ ومقرون بتخطيطٍ ماليٍّ واضحٍ و دقيق. ويجب أن تضمن أيّ عمليّة إصلاح الاستدامة المالية ليس لليوم فقط، بل لعقودٍ مقبلة أيضاً. ويشير فريق الحماية الاجتماعية في منظمة العمل الدولية إلى أنّ النظام في لبنان يعاني من فجواتٍ كبيرة إذ لا يتعدّى عدد السكّان الذين يتمتّعون بأشكالٍ من الحماية الاجتماعية سوى نحو 20 في المئة والتي تشكّل نسبة منخفضة نسبيًّا مقارنة في المتوسط العالمي البالغ 52.4 في المئة.

ومن منظور المالية العامة، لا يجوز التعجّل في الإصلاحات أو ارتجالها. فقد انتقل البلد بصورةٍ حادّة من الإطار السابق لعام 2019 إلى اقتصاد ما بعد الانهيار اليوم، وما زال يواجه حالةً من عدم اليقين. وهذا يعني أنّ على كل قرار أن يستند إلى الأدلة، وأن تدعمه بيانات رصينة ودراسات مفصّلة.

تتطلّب الإصلاحات انضباطًا وأن تكون قابلة للاستمرار ماليًا على المديَين المتوسط والطويل. إضافة إلى ذلك، على المؤسسات العامة أن تضع حدًّا لعادة عدم تسوية مستحقاتها للصندوق الوطني. تقول حاتم: «إنّ الحماية الاجتماعية مُثبّت للاستقرار. فإذا عجزنا في يومٍ ما عن إيفاء المستحقات هذه، فذلك بالغ الخطورة ويهدّد العاملين الذين لا مصدر دخل لهم سواها». ومع ذلك، لم يُنفَّذ القانون الجديد حتى الآن إذ لا تزال المراسيم التطبيقيّة اللازمة قيد الانتظار.

حتى قبل البدء في تطبيق القانون الجديد، تواجه الشركات التي تشكل عماد الاقتصاد ضغوطًا ماليةً خانقة. ولا يستطيع أصحاب العمل تحمّل العبء وحدهم. تقول حاتم: «نحتاج إلى ألية لإعادة التمويل يشارك فيه جميع المساهمين: الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي والدولة وأصحاب العمل. لا ينبغي أن يتحمّل أحدٌ العبء وحده. المشكلة كبيرة جداً… لا بدّ من اتفاقٍ على إعادة التمويل يتقاسم فيه كل طرفٍ جزءاً من العبء.” ويؤكّد مهنّا قائلًا: «لا يمكنك حماية العاملين إن لم تحمِ رب العمل، فهو مَن يوفّر الوظائف.”

ومن دون تسوية عادلة للجهات الملتزمة في القانون سواء كانت شركات القطاع الخاص أو المنظمات غير الحكومية، فقد يجد نظام الضمان الاجتماعي نفسه على أعتاب أزمةٍ جديد قد يكون قاتلاً. على أي حلّ أن يوازن بين مصالح جميع المساهمين ومنافعهم: العاملين والأعمال والدولة والصندوق الوطني.

You may also like

✅ Registration successful!
Please check your email to verify your account.