Home الاقتصاد والسياسة:ثقلٌ مؤسسي في أزمنةٍ عاصفة

:ثقلٌ مؤسسي في أزمنةٍ عاصفة

حوار مع رئيس الجامعة اللبنانية الأميركية شوقي عبد الله

by Thomas Schellen

بعد احتفالها بمأويتها، تبدأ الجامعة اللبنانية الأميركية قرنها الثاني كمؤسسة منخرطة بعمق في التحول الاجتماعي الاقتصادي في لبنان. إن نظرة خاطفة إلى تحولات المؤسسة الماضية والجارية، من «مدرسة للفتيات» إلى كلية نسائية إلى كلية للفنون الحرة وصولاً إلى جامعة فاعلة دولياً، وإلى الصدمات الخارجية المتعددة التي اضطرت LAU لتخطيها في خلال الستين عاماً الماضية وحتى الحرب الأخيرة على لبنان، توحي بأن المؤسسة نفسها تمثل دراسة حالة لم تُستكشف بما فيه الكفاية في التحولات الاجتماعية والأكاديمية. وهي أيضاً دراسة حالة في القيادة التنظيمية لا تنفصل عن الإرثين الأميركي واللبناني سواء في السمات الأكاديمية أو الشخصية. وقد تحاورت Executive حول المسار البنّاء وإنْ كان متعرجاً للمؤسسة مع رئيسها العاشر شوقي عبد الله. 

في نهاية شهر حزيران/ يونيو، كان قد مضى عام على إعلان خبر تعيين حضرتك. وقد باشرت مهامك رسمياً في تشرين الاوّل/ أكتوبر من العام 2024، في لحظة شديدة الاضطراب في لبنان. لكن قبل أن توافقوا على ترك منصبكم في جامعة أميركية كبيرة، كم استغرق الأمر من LAU كي تعثر عليكم وتقنعكم بتولي رئاسة الجامعة اللبنانية الأميركية؟ 

لا فكرة لدي عن المدة التي استغرقها بالكامل لديهم. بدأوا التحدث إليّ قبل شهرين أو ثلاثة من توصلنا إلى اتفاق بشأن قدومي. كنت في جورجيا تك على رأس البحث العلمي حين تلقيت بريداً إلكترونياً من شركة التوظيف يسألني إن كنت مهتماً بالمنصب في LAU. كانت لدي إجابة نمطية: «شكراً جزيلاً، لكنني مرتاح حيث أنا». عادوا فاتصلوا بي مقترحين أن أتحدث مع رئيس مجلس الإدارة في LAU. ونظراً لكونها جامعة لبنانية، قبلت مكالمة من رئيس المجلس وتحدثنا طويلاً، نحو 30 دقيقة. قال لي أموراً أثارت فضولي. جعلتني أقول: “حسنًا، أنا مهتم.” 

من بين ما قاله إن الجامعات في لبنان حاسمة الأثر، تكاد تكون خط الدفاع الأخير أو المؤسسات الأخيرة التي لا تزال تؤدي جميع رسالاتها بحيث يذهب الخريجون بعد ذلك إلى إنجاز أمور عظيمة. تحدث عن LAU وكذلك عن جامعات أخرى. وأخبرني أنه خلال الانهيار الاقتصادي، سحبت LAU أموالاً من صندوق الوقف لديها لضمان قدرة الطلاب على الدفع وحضور الدروس. وقد قادني ذلك إلى لقاء مجلس LAU في أوروبا. زوجتي، وهي أميركية من أتلانتا، وكنا نظن دائماً أن منصبي الأخير سيكون [في جورجيا تك]، لكنها قالت: “لماذا لا تذهب وتحادثهم؟ لطالما فكرتَ بما يمكنك أن تقدمه للبلد، فلنفعله.” 

على المستوى الكلي للأمور، تزامن وصولكم إلى LAU مع مئوية الجامعة أي عام الذكرى المئة. هل يشكّل دخول القرن الثاني نقطة انعطاف حادّة أو انتقالاً تراكمياً بالنسبة إلى LAU، وكذلك مؤشراً نفسياً مهماً يفيد بأن لديكم «أمراً آخر» ينبغي فعله الآن؟ ما هو هذا «الأمر الآخر» الذي ترونه مهماً لقرن LAU الثاني؟ 

بالنسبة إليّ، تشكّل الجامعات، وخصوصاً غير الربحية منها، مؤسسات مرساة. ليست عملاً تجارياً ولا بنكاً. إنها مؤسسات ترسو بها المجتمعات. تتمثل رسالة الجامعة على أعلى مستوى في توليد المعرفة ونشرها ثم تتجاوز ذلك. تصبح رسالة لتهيئة البيئة. كان المعتاد أن الجامعة لا تهتم بالطالب إلا منذ وصوله إلينا ثم تنساه بعد مغادرته لنا [خريجاً]. لم يعد الأمر كذلك. قبل أن يأتونا، نعمل مع المدارس ونتواصل مع الخريجين. وإضافة إلى ذلك، نحن اليوم مزوِّد نظام رعاية صحية. 

بعد المئة الأولى، باتت LAU جزءاً من نسيج المجتمع ولا سيما في التعليم العالي. أما المئة التالية، أو الفصل التالي من الحكاية، فتتضمن رسالة مفادها أن علينا أن نبذل جهداً أكبر بكثير للإبقاء على بعض المواهب التي ننتجها داخل البلد. لبنان مصنع للعقول. نحن نصدر المواهب. نستورد كل شيء آخر، لكننا نصدر أشخاصاً يريدون إنجاز أمور كبيرة في أماكن أخرى. وليس الأمر أننا نريد إبقاء الجميع هنا، فالسوق والمجتمع لا يمكنهما استيعاب كل المواهب. ومع ذلك، رأيت دراسة حديثة تقول إن 65في المئة من خريجي الجامعات يهدفون إلى مغادرة البلاد لكن 16في المئة منهم فقط يريدون فعلاً المغادرة. والباقون لا يرون خياراً سوى الرحيل. 

يود معظم الناس البقاء إذا سنحت لهم الفرصة. ودور الجامعات الآن هو خلق ذلك [البيئة التي تتيح للناس البقاء وإيجاد مسارات مهنية] فوق ما تقوم به أصلاً، أي توفير التعليم. كيف سنفعل ذلك؟ من المجالات التي عملتُ عليها عندما كنت في جورجيا تك وهو مجال ينسجم حقاً مع الروح اللبنانية أي مع ريادة الأعمال. كيف نجعل الناس ينشئون شركاتهم بدلاً من انتظار التوظيف في بنك أو شركة؟ حسناً، لذلك فنٌّ ولدينا الكثير من الريادة. والمجال الآخر بالغ الأهمية هو أن ترتبط الجامعات بمجتمعها، تحديداً في البحث الموجّه إلى حل المشكلات. 

هناك دور للبحوث الأطول مدى ودور لبحوث العلوم الأساسية، لكن ثمة حاجة متزايدة وخصوصاً في مكان مثل لبنان إلى حل مشكلات مثل مشاكل كهرباء لبنان أو البلديات في معالجة المياه أو مشاكل الحكومة في مجالات أخرى. لذلك أنا أروّج للبحث التطبيقي. على الأكاديمية أن تكون جزءاً من المجتمع لا يمكنها أن تكون برجاً عاجياً. 

لقد نُظر إلى LAU في القرن الماضي لفترة على أنها «تلك مدرسة البنات» أو مؤسسة من الدرجة الثانية لمن لم يتمكن من الالتحاق بأعلى جامعة في لبنان. وكان هذا يُذكر حتى أوائل العقد الأول من الألفية. ولكن في اللحظة الراهنة، حين لا يزال لبنان في حالة تفكك اجتماعي، كيف ترون دور LAU؟ هل أنتم عامل توحيد محتمل للمجتمع؟ وهل ما زلتم مرتبطين ارتباطاً صارماً بالتقاليد الأميركية في تعليم الفنون الحرة، بل وبالتقليد التبشيري الأقدم الذي تأسست LAU في ظله؟ 

دعني أبدأ من مسلّمة السؤال. في زمن من الأزمان لم تكن هناك جامعات، ولا أماكن تُعلِّم النساء. أدّت LAU هذا الدور بالغ الأهمية. كانت [Beirut College for Women] وقبل ذلك، منذ العام 1835، American School for Girls. كثيرون ممن ألتقيهم اليوم من الخليج أو من لبنان تقول أمهاتهم إنهن ذهبن إلى LAU، لأنه لم تكن هناك آنذاك جامعات تُعلِّم النساء. لقد أدّينا دوراً حاسماً ونحن فخورون بذلك الإرث وبمنطلقاتنا. بعد هذا، كيف نرى أنفسنا اليوم؟ نحن جامعة عالمية. نؤمن بالتعليم الأميركي بالفنون الحرة وبمثله، لأنه إذا أُحسن تطبيقه فهو أفضل نموذج في أي مكان. في الولايات المتحدة طُبِّق على نحو سليم لوقت طويل. اليوم هناك ضغوط كثيرة على هذا النموذج لأسباب شتى، لكنه يظل مهماً جداً أن تكون هناك تربية عامة. من المهم أن تكون قد درست التاريخ والفلسفة قبل أن تصبح طبيباً أو مهندساً. 

هل نحن عامل توحيد؟ أعتقد أن دور الجامعات، بحكم التعريف، هو جعل الطلاب آمنين لامتلاك الأفكار، لا جعل الأفكار آمنة للطلاب. لسنا هنا لنقول للناس ما يحبون سماعه. نحن نُوَحِّد بالمعنى الذي فيه يتعلم الناس، وإذا أُحسن ذلك يتعلمون كيف يسألون ويستفهمون لماذا. الجزء المهم في التعليم الجامعي ليس المادة التي تأخذ فيها مقرراً ولا المهارات التي تكتسبها إذ يمكنك أن تحصل عليها عبر دورة قصيرة بل أن تتعلم أنك لا تعرف كل شيء. 

ذكرتم أنكم ترون أن التعليم من الأفضل ألا يُدار بدافع ربحي قوي أو تركيز على جني المال. من ناحية أخرى، للأثر الاقتصادي للجامعة على المجتمع قيمة قابلة للقياس وهو مهم في تقدير قيمة الجهة المقدِّمة. في العام 2016 سعى مكتب البحث المؤسسي في LAU إلى قياس الأثر الاقتصادي لـ LAU على لبنان وقدّر الرقم بنحو 900 مليون دولار، أو 1.4 تريليون ليرة آنذاك، وذلك مقابل ناتج محلي إجمالي بنحو 40 إلى 45 مليار دولار. كيف تقيّمون الأثر الاقتصادي لـ LAU في هذه اللحظة، فيما الاقتصاد يخرج من سنوات الأزمة وما زال أمامه صعود طويل ليستعيد عافيته؟ 

حين قلت إن على الجامعة ألا تهدف إلى الربح قصدتُ أن عليها أن تجني من المال ما يكفي لتحقيق التعادل والوفاء بالرسالة. لكن أثر الجامعات اقتصاديّاً هائل. بمجرد وجودنا هنا نشتري [أشياء كثيرة]. لنا أثر، ولخريجينا أثر. الذين يبقون هنا نأمل أن لا يحققوا دخلاً جيداً فحسب بل أن يدفعوا الضرائب أيضاً. ووفقاً لدراسات، فإن من نالوا تعليماً جامعياً يبقون في الزواج مدة أطول، وهم أصحّ، ويعيشون أطول، ويسهمون أكثر في المجتمع. إن فوائد التعليم تتعدّى المنافع المباشرة لمن يتلقى التعليم وتمتد إلى الجميع. أنا على علم بتلك الدراسة [حول الأثر الاقتصادي لـ LAU] وأرى أننا بحاجة إلى القيام بذلك سنوياً. وأرى أن علينا فعله لجميع الجامعات. في الواقع أحد الأمور التي أراها اليوم تفتقر بشدة هو وجود مركز أو مكان تُجرى فيه دراسات حول أثر X على الكل حيث X هنا هو التعليم العالي. نحن نفكر بكيفية القيام بذلك. وإن سألتني كيف سأقيّم إجمالي الأثر الاقتصادي [لـ LAU] الآن، فلن أستطيع حتى التخمين. ميزانيتنا اليوم في حدود 300 مليون دولار بما يشمل المستشفى. هذا هو الأثر الاقتصادي الفوري. 

إذاً هل يستحيل قياس الأثر غير المباشر في الوقت الراهن؟ 
الدراسات التي رأيتها تتحدث عن ثلاثة إلى قرابة أربعة دولارات من الأثر الاقتصادي غير المباشر مقابل كل دولار من الأثر المباشر. 

ومع المنافع التي تعود على كل بائع مشروبات غازية ومصنِّع جعة وخبّاز بيتزا وسائق تاكسي، سيكون هناك معامل ضرب إضافي لحساب الأثر المُستحثّ والنشاط الاقتصادي المساند حول الجامعة. 
هذا بالضبط من النوع الذي ينبغي بحثه وتدقيقه، ومن ثم التواصل بشأنه. الإطار الذي أضعه للسؤال هو أن أسأل: إذا لم تكن لديك هذه الجامعة أو هذا الحرم، فما الخسارة؟ لن يكون لديك 300 مليون دولار [من ميزانيتنا]. وما بعد ذلك يدخل في صيغ ودراسات الاقتصاديين. أعتقد أن هذا يجب أن يُنجز على امتداد [البلد] وفي الظروف الطبيعية تُقدِّم كل الجامعات بياناتها إلى جهة تابعة للدولة، وتقوم الدولة بتجميع المعلومات كلها وتكليف اقتصاديين بإجراء الحسابات ونشرها. أنا على معرفة بأناس يقومون بهذا في كل ولاية أميركية. فعلتُ ذلك عندما كنت في نيو مكسيكو، وكان لدينا فرق تقوم به في جورجيا، وهكذا. ولإعطاء منظور: في الجامعة الأخيرة التي كنت فيها كانت الميزانية 2.5 مليار دولار وكان الأثر على الولاية 10 مليارات. كما رأيت دراسة في ولاية أخرى حيث أجروا تحليلاً عميقاً وقدّروا أن الأثر يتراوح بين 3 و4 دولارات للولاية مقابل كل دولار يُنفق على التعليم العالي. هذا لا يأخذ بعد في الاعتبار خلق القيمة على المدى الطويل. إنه على أساس سنوي حيث يكون الأثر ثلاثة إلى أربعة دولارات لكل دولار يُنفق. أنا نفسي لا أحسب الأثر الاقتصادي للأشخاص المتعلمين بهذه الطريقة. كما ذكرت، الأشخاص المتعلمون سينخرطون أكثر بكثير، وأثر الجامعة ليس اقتصادياً فحسب. لكن واقع اليوم الاقتصادي [في لبنان] هو أنه إذا لم تكن لديّ [جامعة LAU] وافترضتُ معامل ضرب أربعة إلى واحد، فسأخسر فوراً 1.2 مليار دولار من النشاط الاقتصادي في البلاد. 

استكمالاً للنقاش حول خلق القيمة من قِبل الجامعة على صعيدي النشاط الريادي والصناعي، أود الاستفسار عن وضع الأقطاب التابعة لكم. هل لديكم قطب لريادة الأعمال عامل وقطب للصناعة؟ كم قيمة ما تخلقانه؟ 
لدينا كيان يركّز على التفاعل مع عالم الأعمال ومع الشركات. ولدينا أيضاً Makhzoumi Entrepreneurial Innovation Center. أصولنا بحسب الأرقام في الجامعة هي الطلاب، لا الرئيس ولا أعضاء الهيئة التعليمية. هناك رئيس واحد و300 عضو هيئة تدريس، وهناك 9,000 طالب. عليهم نعوِّل، وهذا ما يفعله قطب الابتكار. قطبنا في LAU يستضيف 15 شركة سنوياً، ويجب أن نبلغ مستوى إنتاج أكبر بكثير. على فكرة لدى الجامعة الأميركية في بيروتAUB و جامعة القديس يوسفUSJ شيء مماثل. لدى الجميع شيء من هذا القبيل، لكنه يحتاج فعلاً إلى أن يُوسَّع ليبلغ حجم لبنان. لا أملك آخر الأرقام، لكن لبنان لديه نحو 200,000 طالب جامعي. 80,000 منهم في الجامعة اللبنانية. أظن أن USJ لديها 12,000، ونحن 9,000 وAUB لديها 8,000. ثم هناك جامعات ربحية، أكبرها الجامعة اللبنانية الدولية  LIU، لكنني لا أعلم ماذا تفعل. لكن الخلاصة أننا بحاجة إلى الوصول إلى مقياس [وطني]. ينبغي حقاً ربط هذه الأقطاب ومراكز الابتكار بعضها ببعض. 

بالانتقال إلى موضوع آخر من مواضيع الساعة: في عدة مداخلات حديثة، مثل عرض تقديمي في مؤتمر في فندق فينيسيا، تحدثتم عن الذكاء الاصطناعي، وأنتم ذو خلفية تقنية. هل تخططون لإنشاء مركز للذكاء الاصطناعي في LAU؟ 

أرى أن الذكاء الاصطناعي ليس مما ينبغي عزله في مكان واحد. أعلم أن زملائي في AUB ينشئون كلية تركز على الحوسبة وما إلى ذلك. اعتقادي أن الذكاء الاصطناعي له مكان في كل مكان. ومع ذلك، بما أن الجميع [يتجه إليه] فلا يمكنك أن تدع كل طرف يعمل بمعزل. عليك إنشاء مركز (hub) للذكاء الاصطناعي؛ وهذا كان النموذج الذي استخدمته في جورجيا تك. نحن نستخدم الذكاء الاصطناعي في عملياتنا، ونستخدمه في الطب، ونستخدمه في التعليم عندما ننشئ مقررات لكل طالب، وكذلك نصمم ونقدم مقررات للمديرين التنفيذيين خارج الجامعة. قصدي أنه لن تكون هناك كلية [للذكاء الاصطناعي] ولا بنية منفصلة. سيكون هناك مركز للذكاء الاصطناعي لتنسيق كل هذه الأنشطة، ونعتزم على الأرجح إطلاقه في الخريف. ما أحاول تحديده الآن هو: «ماذا تفعل LAU في الذكاء الاصطناعي؟»، وأنا أكتشف كل يوم أشخاصاً يعملون في الذكاء الاصطناعي، أو يريدون العمل فيه، أو يجرون بحوثاً حوله. سيكون الذكاء الاصطناعي الركيزة التي ستُنفّذ عليها كثير من الأعمال، داخلياً وخارجياً. نحن نقدّم مقررات، ونقوم بتصميمات على هذا الأساس، وعملياً نحن [نستخدمه]، ونقيّم أشخاصاً باستخدام بعض أدوات الذكاء الاصطناعي، وهكذا دواليك. وأظن أني أقضي 30في المئة من وقتي متفاعلاً مع وكيل ذكاء اصطناعي. 

لن تكون لديّ شكوى ما دمتم لا تزالون، بين حين وآخر، تتفاعلون أيضاً مع صحفي حقيقي على قيد الحياة… 

أعتقد أنك في مأمن لأسباب عدة. أولاً، أنت تطرح أسئلة لن يخطر لوكيل ذكاء اصطناعي أن يبتدعها. أسئلتك تأخذ حديثنا إلى مسارات جديدة. ثانياً، حتى في أكثر السيناريوهات تفاؤلاً ستظل الإبداعية تأتي من البشر، لا من آلة. واختباري هنا هو الفكاهة. قد يتجاوز وكلاء الذكاء الاصطناعي اليوم اختبار Turing test ، لكن اطلب من الذكاء الاصطناعي أن يروي لك نكتة وانظر إن كانت مضحكة. 

وفي انعطافه أخيرة غير محركة بالذكاء الاصطناعي، أريد أن أسألكم عن الجانب الاجتماعي لأنشطة LAU. يتعلق الأمر تحديداً بأن لديكم برامج مهمة جداً وحظيت بتغطية واسعة ممولة من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية USAID التي كانت حتى هذا العام تموّل أنشطة حول العالم بما فيها التعليم. كيف اختبرتم هذا التوقف في تمويل USAID كمؤسسة، وكيف تعاملتم معه؟ 

كان لدينا أثر بنحو 20 مليون دولار على ميزانيتنا. كانت ثاني أكبر مصادر التمويل لدينا، وكان الأثر هائلاً. ما زلنا نتعامل معه. قلنا إننا سنستكمل الطلاب الذين عندنا وتحمّلنا مسؤولية التكفل بطلابنا. لن نتمكن من فعل ما كنا نفعله من قبل، ولا بالقدر نفسه. كان لدينا بضعة برامج [بتمويل عام أميركي]، أحدها مع USAID وآخر مع مبادرة الشراكة الأمريكية الشرق الأوسطية MEPI. هذا الأخير ما زال مستمراً وحجمه أصغر لكنه يوفّر تمويلاً للطلاب. 

وفي التعاطي مع هذه المسألة، ننظر إلى مزيج إيرادات الجامعة كله. نحن جامعة خاصة، وبعد غياب  USAID، باتت الأقساط تشكل أكثر من 90في المئة من إيراداتنا. وهذا غير قابل للاستدامة، لأننا بدورنا نعيد توزيع أكثر من 50في المئة على شكل مساعدات مالية. لا نستطيع [الاستمرار في رفع الأقساط] مع الحفاظ على الجودة والدعم المالي وما إلى ذلك. ننظر إلى طرق أخرى للعمل، مثل تنويع قاعدتنا من جهة الأقساط. لدينا اليوم حرم في نيويورك نأمل أن يدر إيرادات. ولدينا برنامج عبر الإنترنت ناجح يجب توسيعه. لكننا ننظر أيضاً إلى مجالات تتجاوز الأقساط. من المحاور التي أركز عليها كثيراً [في تنويع الإيرادات] جمعُ الأموال والعمل الخيري. نحاول زيادة أموال الوقف لدينا. لقد كان الوقف بحالة مقبولة على مر السنين، لكن اضطررنا إلى السحب منه، كما ذكرت، أثناء الأزمة الاقتصادية واضطررنا إلى الأمر نفسه خلال حرب الصيف العام [2024]. خطتنا الآن أن نجمع بعض الأموال، ونستفيد من روابطنا الدولية وخريجينا وغيرهم، وبصراحة أن نحاول اغتنام فرص ربما لم تكن لدينا من قبل، وهي أن يبقى لبنان مع قليل من الحظ على هذا المسار ويبلغ حالة يصبح فيها مجدداً مكاناً جاذباً للطلاب الدوليين. 

هل تودون أن يكون لكم حرم جامعي في حلب أو حمص أو حماة؟ 
سوريا مكان مثير للاهتمام لأسباب كثيرة. نحن في نهاية المطاف نعمل على استراتيجية عالمية لـ LAU. هناك أماكن عديدة في العالم تتوافر فيها إمكانات، بما فيها أماكن توجد فيها جالية لبنانية كبيرة تريد تعليماً أميركياً. قد يكون ذلك في أفريقيا، في أميركا اللاتينية، وفي أماكن كثيرة، لكن [الاستراتيجية] يجب أن تتماسك ككل. ومعاييري اثنان: إما أن يكون الأمر جزءاً من رسالتنا وبالتالي علينا فعله وإيجاد طريقة لتمويله؛ أو ألا يكون جزءاً من رسالتنا لكنه سيولّد مالاً وموارد تصبّ في الرسالة. سوريا، وفق هذين المعيارين ليست فورية لكننا نفكر في هذا الأمر بالتأكيد. 

هل تهدفون إلى جمع تبرعات لتعزيز أموال الوقف؟ 
نعم. نحن اليوم عند 650 [مليون دولار] ولدينا حملة للارتفاع بنحو 200 إلى 250 مليوناً. لكن مع عائد [سنوي] يقدر حوالى 4في المئة علينا أن نصل إلى نحو مليار [دولار في أموال الوقف] كي نحصل على 40 مليون دولار سنوياً كفوائد. إذا استطعنا الوصول إلى هناك، يمكنني تشغيل برنامج المساعدات المالية براحة أكبر. في النهاية، وبحسابات تقريبية على ظهر المظروف، نحتاج إلى نحو مليار دولار، وربما سنبلغ 850 إلى 900 [مليون]. 

هل ما زال نموذج المنح الدراسية والدعم المالي الحالي قابلاً للاستمرار أم أنه سيتعيّن تغييره على المدى الطويل؟ 
لا توجد جامعة تستطيع [الاستغناء عن هذا النموذج]. وإلا فلن نتمكن إلا من قبول من يستطيعون الدفع. لا بد دائماً من تقديم مساعدات مالية قائمة على الحاجة وعلى [الجدارة] الأكاديمية. عليك أن توفر ذلك كي تكون جامعة بالمفهوم الكامل للكلمة. وإلا فأنت إما تعتمد على مصدر تمويل واحد قد يُملي قراراتك أو أنك لا تقبل سوى من يستطيع الدفع بصرف النظر عن قدرته. هذا نموذج الجامعات الربحية: تدفع فتدخل. وهذا، برأيي، ليس رسالة الجامعة الحقيقية. لكن أن تبلغ المساعدات 50في المئة فذلك كثير. هدفي أن أصل إلى 30 إلى 40 في المئة. 

عودة إلى بداية هذا الحوار: استجبتم لنداء LAU قبل عام وجئتم في فترة شديدة الاضطراب. لقد كان العام الأكاديمي المنصرم مرحلة صدمات عدة،  ليس في المنطقة والاعتداء على لبنان فحسب، بل أيضاً صدمات في العالم الأكاديمي أخرج شخصيات مثل رئيسة جامعة كولومبيا أو واجهت جامعة هارفرد بتخفيضات جذرية في تمويلها من الحكومة الفدرالية في الولايات المتحدة. وقلتم أيضاً في هذا الحوار إنكم لا ترون في البرج العاجي نموذج مستقبل التعليم. فبعد هذا العام من الالتزام مع LAU، هل تقولون إنكم أفلتّم من الغيتو الأكاديمي الأميركي إلى حرية الريف الأكاديمي اللبناني، أم كنتم تفضّلون أن تكونوا بعد في أتلانتا، في جورجيا المشمسة؟ 

أريد أن أنظر في هذا الخصوص من نواح عدة. أولاً، ظن أصدقائي في الولايات المتحدة أنني كنت أعلم شيئاً آنذاك. بالطبع لا. لكنها فترة صعبة جداً للتعليم العالي في كل مكان. تعود الأسباب المتعددة لذلك إلى الثقافة والسياسة والمال. في لبنان كان التعليم العالي دائماً الطريق إلى المستوى التالي. عائلتي مثال رائع. والدي نحّات حجارة، وله ثمانية أبناء الذي أدخلهم الجامعة جميعاً واليوم كل واحد منا أعلى بثلاث درجات في السلم الاجتماعي الاقتصادي أو المالي مقارنة بوالدي. ومن المهم جداً أن نُبقي في البال أن أحد أدوار أو أوجه التعليم العالي هو الاستمرار في مساعدة الأفراد على نيل مسيرة مهنية ودخل جيدين. 

في الوقت نفسه، هناك فرصة لنا في لبنان الآن، إذ هناك كثيرون من أساتذة شباب أو خريجون جدد ربما لم يفكروا بالعودة العام الماضي وكانوا يعتزمون البقاء، ليس في الولايات المتحدة فحسب، بل في أماكن أخرى. لكن إما بسبب المسار الإيجابي الذي يسير عليه لبنان، أو بسبب قيود الهجرة في أماكن أخرى، قد يُستقطَب الناس للعودة إلى لبنان. وأحد الأسئلة التي علينا طرحها هو: كيف نجذب هؤلاء؟ كيف نجعل الانضمام إلى هذا [البلد] فرصة مشوِّقة بما يكفي بحيث لا يقول الناس: يمكننا أن نأتي ونبقى فترة، لكننا سنرحل في أقرب وقت ممكن؟ 

هل هويتكم إذاً منقسمة بين مخطِّط دائم للطوارئ واستراتيجي للتنمية الدائمة؟ 

نعم، لكنني أعتقد أن الاستراتيجي الجيد هو من يفكر بمنطق السيناريوهات. الخطة ستتغير دائماً. كما يقول المثل، لا تصمد خطة أمام أول احتكاك لها مع الواقع. لكن إن لم تكن لديك خطة فستكون دائماً في وضع رد الفعل والتأرجح. لدينا الكثير من هذا في البلد وفي LAU. لطالما كنّا نردّ ونتعايش مع وضع أزمة دائمة. عندما تضع خطة فإنك تُكيّفها. قد تضطر إلى التحوّل، لكنك تلتزم بالخطة. خطتي هي جعل LAU مستدامة ليس مالياً فحسب، بل أيضاً لجهة إنتاج الأثر الاقتصادي وإجراء البحوث حول هذا الأثر، وجانب الريادة، وما إلى ذلك. قد لا أستطيع إنجاز أمور معيّنة إذا قيل لي، مثلاً، إنهم لن يدعموا فعالية ريادية. لكن ذلك لا يعني أنني أفقد التركيز وأعتقد أنه ينبغي لنا جماعياً إجراء هذا التحوّل الذهني. كل ذلك يرتكز على المعلومات، على البيانات التي يمكنك استخلاص رؤى حقيقية منها، بدلاً من القول: «فلان قال كذا» أو «هكذا كنا نفعل». تلك هي النقلة الثقافية الأخرى: أن نحاول أن تكون قراراتنا مستندة إلى البيانات. 

كم سنة تمنحون أنفسكم للعمل نحو هذا الهدف أو لتحقيقه؟ 
مدتي أربع سنوات، وبالتالي بقي ثلاثٌ أخرى. إنه عمل جارٍ، وأنا اليوم أعكف على تشكيل فريق وندفع ببعض الأمور قدماً. عند نهاية ولايتي سنرى. إما أن تقول لي زوجتي: «عد»، أو تقول: «سآتي وأنضم إليك.” 

You may also like

✅ Registration successful!
Please check your email to verify your account.