Home افتتاحيةالخيانة وتركيبتها

الخيانة وتركيبتها
ARENFR

وانهيار الثقة في مؤتمر "بيروت ون-Beirut One"

by Yasser Akkaoui

يهدف مؤتمر “بيروت ون-Beirut One” للاستثمار إلى تشكيله منصة لإعادة بناء الثقة وجذب رؤوس الأموال لكنه لم يتوّج بعودة الأمل بل بخيانة مؤسسية عميقة. فقد تهاوى الخطاب المتقن الذي صيغ بعناية حول الإصلاح بشكلٍ واضحٍ بعد الجلسة الختامية التي شارك فيها كل من وزير الاقتصاد عامر بساط ورئيس مجلس الوزراء نواف سلام ورئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي شارل عربيد.

في لحظة كشفت بصورة واضحة الثمن البشري للأزمة المالية، نهض رجل مسن أنيق المظهر وكان ارتجافه واضحًا وهو يتوجه بالحديث إلى رئيس الوزراء. كانت الدموع تنهمر على وجهه وتُعبّر عن العذاب الناتج عن مدخراته وجنى عمره وطرح سؤال:

“أموالنا في البنوك لم تحترق بل أُسيءَت إدارتها وتمت سرقتها. هل يمكنك أن توضح بشكل قاطع الشائعات المتعلقة بمسح أو تبخير مدخراتنا التي كسبناها بعرق جبيننا؟”

وعلى الرغم من وعوده رئيس الوزراء السابقة بحماية الودائع جاء ردّه مؤكِّداً أسوأ السيناريوهات الممكنة. كان صريحاً ومدمّراً وموجعاً إلى حدّ أنه وجّه ضربة قاصمة لما تبقّى من ثقة وطنية هشّة:

“قلت عند تسلّمي المنصب إن الودائع لن تُمسّ. غير أننا لا نستطيع إعادة الأموال. لا حلّ آخر سوى شطب جزء من الودائع.”

كانت نظرات الرجل المسنّ المصدوم أبلغ من أي خطاب. فقد مثّل هذا التراجع الصادر من أعلى سلطة في البلاد والذي نسف وعداً أساسياً انهياراً تاماً لمصداقية الدولة.

غياب البدائل والتأكيد على السيطرة المستمرة

تسير السياسة التي تقف خلف هذا القرار الكارثي في اتجاه خاطئ بشكل مقلق نتيجة نصائح مضلّلة. ومع اعترافنا بأن رئيس الوزراء ليس اقتصادياً محترفاً فإن الاستراتيجية الاقتصادية تُقاد فعلياً من خلف الكواليس من قبل بقايا المنظومة القديمة إلى جانب التأثير التخريبي لبعض الجهات التي تدّعي الإصلاح بينما تخفي أجندات نفعية ضيّقة.

والأسوأ أن هذه الحكومة تتجاهل مسارات واقعية للتعافي. فهناك بدائل جادة قدّمها خبراء اقتصاديون متمرّسون أصحاب سجل طويل من الكفاءة أي بدائل لا تتضمّن مصادرة مدّخرات الناس. إن الرفض المتعمّد لأخذ هذه المقترحات بعين الاعتبار يؤكد مخاوفنا الكبرى: ما زالت الدولة عينها تمسك بزمام القرار.

هذه المجموعة تمضي في ترسيخ نظامٍ يقوم على الاقتصاد النقدي غير الرسمي، وهو نظام يخدم أولئك الذين استفادوا من الانهيار. ومن خلال تبنّيه «الاقتطاع» أو haircut، يبرهن رئيس الوزراء نقصٍ فادح في البصيرة فهو على ما يبدو لم يُبلّغ بدقة عمّن قاد الهجوم على القطاع المصرفي ولا عمّن سيستفيد من «تصفير الحسابات» على حساب المودعين العاديين.

تآكل السياسة وانهيار الثقة

إن تداعيات هذه اللحظة الاقتصادية والسياسية واضحة فهي إعلان رئيس الوزراء العلني عن شطب مبلغ من الودائع بما يعني تحميل الخسائر الناتجة عن سوء الإدارة المالية للمواطنين وقد قطع بشكل دائم الثقة بين الشعب من جهة والمصرف المركزي والحكومة من جهة أخرى. ف ضمنت السلطة نشوء نزعة تشكّك متجذّرة وطويلة الأمد تجاه أي خطة تعافٍ اقتصادي مستقبلية تعتمد على تعاون المواطنين أو على إعادة رؤوس الأموال إلى البلاد إذ يُنظر إلى هذا الإجراء على نطاق واسع على أنه سرقة مقوننة وتجسيد لفشل الحوكمة.

السؤال الجوهري الذي يوجَّه إلى رئيس وزرائنا المعروف بتمكّنه القانوني هو التالي:
هل كلّفت الحكومة خبيراً قانونياً مرموقاً عالمياً باستخدام خبرته للتحايل على الدستور بدلاً من الدفاع عن الحق الأساسي في الملكية وبالتالي المساهمة في الانهيار الكارثي للثقة العامة؟

إن هذه الحادثة لن تحدد فقط مآل المؤتمر، بل ستحدّد أيضاً العمر الحكومة السياسي المتبقي.

You may also like

✅ Registration successful!
Please check your email to verify your account.