في أوائل أبريل، قدم الرئيس ميشال سليمان مشروع قانون يدعو إلى اللامركزية الإدارية في لبنان. يقترح المشروع الطموح، الذي أعدته لجنة خبراء برئاسة وزير الداخلية السابق زياد بارود، نقل بعض المسؤوليات الإدارية والموارد المالية من الحكومة المركزية إلى المجالس الإقليمية والبلديات.
تهدف الخطوة نحو اللامركزية إلى منح الجماعات الطائفية والإقليمية المختلفة بعض الاستقلالية والقدرة على تحديد شؤونها المحلية، وبالتأكيد يمكن اعتبارها ذات جدارة بالنظر إلى السياق الحالي لدولة مركزية تميل إلى الشلل السياسي.
ومع ذلك، يأتي هذا النداء الأخير للامركزية في وقت تزداد فيه مخاطر التفكك على أسس عرقية في جميع أنحاء الشرق الأوسط، بما في ذلك سوريا والعراق وليبيا واليمن. يتوقع العديد من المحللين إعادة رسم الخريطة الإقليمية للشرق الأوسط أو حدوث تغييرات جذرية في أنظمة الحكم بما في ذلك الفيدرالية أو بعض نسخ اللامركزية.
تشير الدروس المستفادة من دول أخرى إلى أن اللامركزية لا يمكن استخدامها كحل موحد في جميع الدول بل يعتمد الكثير على كيفية تصميمها والسياق الذي يتم تطبيقها فيه.ثلاثة تحديات أساسيةفي حالة لبنان، هناك ثلاثة تحديات أساسية لخطة اللامركزية: الهوية الوطنية المجزأة، ضعف السلطة المركزية وعدم كفاية القدرات المحلية للتنفيذ. يجب معالجة هذه التحديات من خلال مجموعة من الإصلاحات الأخرى لكي تنجح اللامركزية.
التحدي الأول هو ضعف الهوية الوطنية اللبنانية وتجزؤها. الفرضية هي أن الهوية الوطنية القوية هي الصمغ الذي يبقي الأنظمة اللامركزية والفيدرالية معاً. ففي هذه الحالة، تشكل التصادمات الهوية على طول الخطوط القبلية والثقافية والجغرافية والدينية حاجزًا كبيرًا أمام التنفيذ الفعال لإصلاحات اللامركزية اللبنانية وقد تزيد من مخاطر التقسيم.
استراتيجية تقوية الهوية الوطنية اللبنانية أساسية قبل أي خطط لامركزية نظام الحكم. هذه عملية طويلة الأمد تشمل المصالحة الوطنية، التعليم وإطارًا علمانيًا يمكّن الزواج بين الطوائف. عندها يمكن أن تظهر هوية لبنانية أكثر تماسكاً تحتضن التنوع.
أولوية حاسمة هي تمكين الأجيال اللبنانية الشابة لتجاوز الانقسامات التاريخية. لسوء الحظ، تتوقف الكتب المدرسية اللبنانية عن تاريخ عام 1943 لتجنب إثارة العداوات القديمة. بدلاً من الجدال حول “التاريخ الحقيقي” للبنان المعاصر، يمكن لصناع القرار تطوير كتاب تاريخ مشترك يعلم الطلاب النظريات المختلفة لتمكين تفكيرهم النقدي وتجنب تكرار الأخطاء ذاتها.
التحدي الثاني هو ضعف الدولة المركزية اللبنانية. الفرضية هي أن السلطة المركزية القوية ضرورية لتنسيق وتوحيد الحكومات المحلية وإلا فلن تتمكن من منع التوترات والصراعات.
لبنان اليوم لديه اتخاذ القرار التنفيذي ممزوج بين الرئاسة ومجلس الوزراء. ليس هناك سلطة تنفيذية واضحة وقوية، مما يجعل من الصعب الحكم ومعرفة من يتحمل المسؤولية. لهذا السبب الإصلاح الأكثر أهمية المطلوب في لبنان هو تركيز السلطة التنفيذية في جهة واحدة يمكنها الحكم بفعالية وأن تُحاسب على نجاحاتها وإخفاقاتها. عندها، ومع وجود دولة مركزية أقوى، يمكن للامركزية الإدارية أن تحقق فوائدها الموعودة في لبنان.
التحدي الثالث هو نقص الكوادر ذات الخبرة وعدم كفاية تدريب البيروقراطيين المحليين، مما سيكون ضارًا بتنفيذ إصلاح اللامركزية.
التقييم الصحيح لقدرات البلديات اللبنانية ووضع خطة لتعزيز كفاءاتها أمر بالغ الأهمية. يجب أن يرافق إصلاح اللامركزية في لبنان استراتيجية مفصلة لجذب القوى العاملة الماهرة وذي الخبرة وتدريب الموظفين العموميين الحاليين لتحمل مسؤولياتهم الجديدة.
في ملخص، لا ينبغي تمرير مشروع قانون اللامركزية اللبناني في السياق الحالي ما لم يكن جزءًا من استراتيجية أكثر شمولًا تعالج المخاطر الرئيسية وتضع في الاعتبار التوقيت المناسب والسرعة والتتابع للإصلاحات.