بينما يسارع لبنان للانضمام إلى نادي منتجي النفط الجديد، يظهر صناع القرار ميلًا خطيرًا لوضع كل الآمال على هذا القطاع غير المؤكد ووصفه بأنه المنقذ الاقتصادي. هذا يتعارض مع نصائح الخبراء اللبنانيين الذين كانوا يحذرون من “لعنة الموارد المسبقة” (الضعف في الأداء الاقتصادي بعد اكتشاف تجاري، ولكن قبل الإنتاج بوقت طويل – نتيجة للارتفاع الهائل في التوقعات وزيادة الإنفاق العام و/أو الاقتراض) ويدعون إلى حلول هيكلية للأزمة الاقتصادية. في أوائل الشهر الماضي، حذر بيير دوكين، المبعوث الفرنسي المكلف بملف سيدر، من “الأمل الكاذب” بأن استخراج النفط والغاز كان “علاجًا سحريًا.”
يواجه الاقتصاد اللبناني تحديات كبيرة. تشير المؤشرات إلى علامات انكماش مطول. النموذج المالي الذي طالما استخدم للحفاظ على مستوى المعيشة في لبنان – رغم مستويات الديون العامة غير المستدامة وعجز الموازنة وعجز الحساب الجاري – أصبح الآن على وشك الانهيار. تسارع العجز في ميزان المدفوعات من 0.76 مليار دولار في الشهور السبعة الأولى من عام 2018، إلى 5.32 مليار دولار في نفس الفترة من عام 2019. في محاولة لجذب المودعين، قامت مصرف لبنان، المصرف المركزي اللبناني، برفع أسعار الفائدة على ودائعها إلى مستويات غير مسبوقة.
حذر بيير دوكين من “الأمل الكاذب” بأن استخراج النفط والغاز كان “علاجًا سحريًا.”
رغم – أو بسبب – هذه الصورة الاقتصادية القاتمة، يضع صناع القرار (الحكومة، رؤساء الأحزاب السياسية، أعضاء البرلمان) كل الرهانات على قطاع النفط والغاز.
تحدد ميزانية 2019 بشكل صريح ثروة النفط والغاز المحتملة في لبنان كأحد الأسباب لعدم القلق بشأن خطر العجز. وبذلك، تترفع الحكومة ضمنياً عن الجهود الباهظة اللازمة لمعالجة الأزمة، وتستغل العائدات المتوقعة من موارد النفط والغاز التي لم تُكتشف بعد لتعزيز الثقة.
في أبريل الماضي، أطلقت الحكومة الجولة الثانية من التراخيص لخمسة كتل بحرية جديدة. جاء ذلك قبل أي اكتشاف تجاري في الآبار التي سيتم حفرها في السنوات الثلاث إلى الخمس القادمة من قبل كونسورتيوم توتال-إيني-نوفاتك. تحت ظروف اقتصادية أكثر استرخاءً، من أجل تحسين شروط الجائزة، كان ينبغي على الحكومة الانتظار لنتائج الجولة الأولى من الحفر، المقرر لها نهاية 2019، قبل إطلاق الجولة الثانية من التراخيص.
كما يتم دفع توتال من قبل السلطات اللبنانية لبدء الحفر في أسرع وقت ممكن; وهو ضغط تقول الشركة إنها قد قبلته. عوضًا عن المعتاد في تحديد الموقع الدقيق للحفر خلال سنة إلى سنتين، قامت توتال بذلك في أقل من سنة.
جميع هذه العلامات تشير بوضوح إلى أنه وبينما تشترى السلطات الوقت من خلال سياسات نقدية غير تقليدية لتعويض الاختلالات المتزايدة (الديون المتزايدة، والعجز المالي والحالي) فإن أملهم الوحيد هو الرهان على “معجزة” خارجية مثل ثروة البترول لإنقاذ اليوم. اللجوء إلى الأصول غير المتجددة غير المؤكدة التي تعود للأجيال المقبلة لتغطية تراكم الديون وسوء إدارة الموارد الحالية ليس خياراً. ينبغي بذل جميع الجهود لتطوير استراتيجية للعودة إلى مسار دين ومالي مستدام.
اللجوء إلى الأصول غير المؤكدة غير المتجددة التي تعود إلى الأجيال المستقبلية لتغطية تراكم الديون وسوء إدارة الموارد الحالية ليس خيارًا.
دول مثل غانا وسيراليون التي راهنت على عائدات مستقبلية غير مؤكدة قد دفعت الثمن في شكل انخفاض في النمو الاقتصادي. الحكومة تقع في هذا الفخ الموارد المسبقة، لا سيما بالسعي في مرحلة مبكرة جدًا لإنشاء صندوق ثروة سيادي خارج إطار رؤية اقتصادية أوسع. نعتقد أنه قبل إنشاء صندوق نفط، ينبغي على الحكومة تقليل الديون العامة إلى مستويات مستدامة، وسن وتطبيق قواعد مالية للالتزام بشكل موثوق بالاستدامة المالية في المستقبل.
التحدي الحقيقي الذي ينتظر لبنان يتمثل في الاتفاق على عقد اقتصادي واجتماعي جديد يعزز الاقتصاد التنافسي والعادل، بدلاً من الاستيلاء على موارد الدولة لتغذية نظام سياسي فاسد. الطريقة الوحيدة للمضي قدمًا اليوم هي مواجهة مباشرة مع المهمة المتمثلة في تقاسم عبء الخسائر التي تراكمت بسبب هذا النموذج الاقتصادي الفاشل. إن الأمل في أن عائدات النفط والغاز ستغطي هذه الخسائر هو على أفضل تقدير وهم وعلى الأسوأ جريمة. يحتاج لبنان للتأكد من أن العائدات المستقبلية لا تُخصص من خلال نفس النموذج الاقتصادي وإيجاد قنوات تمكن تحويلها إلى رأس مال استثماري ضمن استراتيجية اقتصادية واجتماعية جديدة. الضمان الوحيد أن هذا القطاع لن يُستخدم لتغذية المزيد من الفساد هو ممارسات الحوكمة السليمة التي تضمن إدارة شاملة وشفافة ومسؤولة وتشاركية لهذا القطاع المحتمل أن يكون مربحًا. كخطوة أولى، يجب تطبيق إجراءات الشفافية مثل الكشف عن الملكية المستفادة كما نصت عليه المادة 10.7 في القانون 84 (2018) لتعزيز الشفافية في قطاع البترول، على جميع الشركات المتعاقدة والمقاولة في قطاع النفط والغاز في لبنان.