في بلد شهد مقتل مئات المدنيين بضربات الطائرات الأمريكية بدون طيار وجماعات القاعدة في جزيرة العرب التي تتجول بحرية في الكثير من المناطق، من المفارقات أنني خلال زيارة حديثة لحافظة الضالع في جنوب اليمن كان رفيقي الأمريكي مرحّبًا به أكثر مني – من أجل سلامتي، كان عليّ مرارًا إخفاء حقيقة أنني من شمال اليمن.
يمكن اعتبار الضالع فعليًا عاصمة الحركة الانفصالية الجنوبية، وفي الشهر الماضي سمعنا هناك عن هجمات على الشماليين وضربهم، وإحراق متاجرهم أو إجبارها على الإغلاق وهروبهم للنجاة بحياتهم. كانت الكراهية العمياء للشمال شبيهة بالجنون الاجتماعي الجماعي الملموس.
لطالما كانت علاقة الشمال والجنوب في اليمن مملوءة بالعداء المتبادل – وتساعدها في ذلك الحرب الأهلية عام 1994 التي فاز بها الشمال – ولكن في الأشهر الأخيرة ارتفعت مشاعر العداء للشمال في الجنوب بشكل كبير. كان الدافع للتصعيد الأخير في العنف هو إطلاق قوات الأمن الحكومية النار على مظاهرة في مدينة عدن الجنوبية التي نُظمت كرد على تجمع مؤيد للحكومة؛ قتل أو أصيب عشرات الجنوبيين، وانتشرت الغضب العام في الحافظات الجنوبية ودعت الحركة الانفصالية الجنوبية إلى العصيان المدني، ما أدى إلى إضراب معظم الوكالات العامة والأعمال الخاصة.
بينما لم تُنظم الهجمات ضد الشماليين بشكل منهجي من قبل الحركة الجنوبية، إلا أن الطبيعة العفوية والعشوائية للعنف وتوافر الأسلحة الشائع في اليمن هما ما يجعل الأمر مرعبًا. والأهم من ذلك، أن بعض الفاعلين المتحالفين مع الحركة الجنوبية تحدثوا علنًا عن ‘حق الجنوبيين في الدفاع عن أنفسهم’ – وهو بيان خطير وغير مسؤول تمت إدانته لاحقًا من قبل غالبية قادة الحركة، ولكن من غير الواضح تمامًا إلى متى ستسود تلك العقول الهادئة.
داخل وحول الضالع يتحدث الناس عن جغرافيتهم المحلية من حيث المناطق ‘المحررة’ و’غير المحررة بعد’، مع انتشار نقاط التفتيش والقواعد العسكرية في الحافظات الجنوبية ما يعزز فقط فكرة أن الجنوب يعيش تحت احتلال الشمال. تحدث الاشتباكات المسلحة بين الجنوبيين والجيش بوتيرة متزايدة. الكثير من المناطق فعليًا مستقلة، مع تقارير للشخصيات المحلية إلى قادة الجنوب في الخارج، مثل علي سالم البيض، النائب السابق لرئيس اليمن الجنوبي قبل توحيد 1990، والمقيم حاليًا في المنفى في بيروت- بصورة يومية، كما لو لم يكن هناك حكومة مركزية في صنعاء. في هذه الأجزاء مؤتمر الحوار الوطني المرتقب، الذي يُقصد به أن يكون قاعدة للوحدة الوطنية بين العديد من الجهات الفاعلة في اليمن، ليس له علاقة بأي شخص.
الأحداث في الشمال تزيد من تفاقم المشكلة. في فترة ما بعد الحرب الأهلية استغلت بعض القيادات الشمالية الجنوب بوضوح للحصول على الأرض والموارد بينما تركت المنطقة فقر شدي. إعادة ظهور هؤلاء القادة إلى مواقع بارزة في الحكومة المركزية الحالية يزيد فقط من عدم الثقة في الجنوب – من الصعب إقناع الجنوبيين أن الأوضاع تغيرت عندما ظهر الرئيس السابق علي عبد الله صالح في تجمعات في العاصمة كما لو كان مرشحًا في الانتخابات القادمة، بدلاً من كونه ديكتاتور مخلوع.
الجنوبيون لا يرون بشكل كبير أن الإهمال واللامبالاة التي أظهرتها الحكومة المركزية نحوهم قد تغير كثيرًا تحت خَلَف صالح. زيارة الرئيس عبد ربه منصور هادي المفاجئة إلى عدن في 22 فبراير وقلقه الظاهري للغاية بشأن القضايا الجنوبية قد رفعت آمال البعض، لكن تم سحق هذه الآمال تحت استمرار قوات الأمن في استخدام القوة المفرطة وفشل هادي في تنفيذ التغيير على الأرض.
ظل الجنوب أكبر مشكلة سياسية في اليمن لسنوات عديدة. بدأت الحركات الاحتجاجية هنا عام 1994 عندما سار القادة العسكريون والمدنيون المقالون يطالبون باستعادة وظائفهم، والتي تطورت لاحقًا إلى حركات أوسع بكثير، وإن كانت غير منظمة، تطالب بالاستقلال عن الشمال. ومع ذلك، ترى بعض أجزاء الجنوب نوعًا من الفيدرالية كحل ومستعدة للمشاركة في المرحلة الانتقالية الأوسع التي يمر بها اليمن. يرى مؤيدو حتى هذا التفكير أن الوضع الحرج اليوم حاسم لما سيأتي لاحقًا للجنوب، وما يحدث في الجنوب سيؤثر بلا مفر على استقرار اليمن بشكل عام.
فارِع المسلمي هو مراسل اليمن لـ Executive